حق الآدمي، فأما الردة فالتوبة بالندم والعزم بالإسلام ثم إن كان ممن لا تقبل شهادته قبل توبته لم تقبل منه توبته حتى تظهر منه شروط العدالة، وإن كان ممن تقبل شهادته قبلها نظر في توبته، فإن كان عند اتقائه للقتل لم تقبل إلا أن يظهر فيه شروط العدالة في استبراء حاله في صلاح عمله، وإن تاب عفوًا غير متٍق بها القتل عاد إلى عدالته في الحال. وأما القذف فيعتبر فيه الندم والعزم وإكذاب نفسه على ما ذكرناه.
فرع آخر
إذا رددنا الشهادة بالقذف فلا فرق بين أن يوجب الحد، أو يوجب التعزير لتكذيبه وكذلك حكم التوبة فيها سواء.
[باب التحفظ في الشهادة والعلم بها]
مسألة: قال: قال الله تعالى: {ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}] الإسراء: الآية ٣٦ [. وقال تعالى:{إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ}] الزخرف: الآية ٨٦ [. والعلم من ثلاثة أوجه.
الفصل
اعلم أن عماد الشهادة العلم بما يشهد الشاهد عليه لقوله تعالى:{ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}] الإسراء: الآية ٣٦ [. وقال قتادة في "تفسيره" لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأيت ولم تر [١٢/ ١٢٣ أ] وعلمت ولم تعلم وقد ذكرنا خبر ابن عباس رضي الله عنهما فإذا تقرر هذا نقول: قال الشافعي رضي الله عنه: والعلم من ثلاثة أوجه وجملته أن الشهادات على ثلاثة أضرب.
أحدها: يحتاج فيه إلى البصر دون السمع وذلك مثل الشهادة على الأفعال كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وأخذ الأموال ومثل الشهادة على اليد في الأموال إذا عاينه في يده فالسميع والأصم فيها سواء لأن القصد الشهادة على استدراكه بالعين.
والثاني: يحتاج إلى السمع والبصر جميعًا وذلك مثل عقد النكاح وعقد البيع وإيقاع الطلاق والإقرار بالمال فلا يجوز أن يشهد به حتى يسمع القول ويبصر القائل ويثبته ثم يشهد عليه.
والثالث: ما يجوز أن يشهد فيه بتظاهر الأخبار من غير أن يبصر المشهود عليه، ولا أن يسمع قوله وذلك في النسب والأملاك المطلقة، قال أصحابنا: وكذلك الموت فأما النسب فلأنه تتقدر الشهادة على نسبه الذي يتعلق ثبوته به وهو الوطئ والعكوف الذي لا يطلع عليه مخلوق، وأما الأملاك المطلقة فلأن وجوه الملك متسعة وفيها ما يتقدر عليه الإشهاد، وأما الموت فإنه يحصل بوجه لا يمكن الإشهاد عليه، ويستحب تعجيل الدفن فكان ذلك بمنزلة الشهادة على الملك المطلق بتظاهر الأخبار.