للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض أصحابنا بخراسان: [١٢/ ١٢٣ ب] في الأملاك قول آخر لا تجوز الشهادة حتى يعلم سبب الملك وهذا أقيس ولكنه خلاف ظاهر المذهب المنصوص، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا تجوز الشهادة في الأملاك بالاستفاضة واحتج بأن هذه شهادة بالمال فلا تجوز بالاستفاضة كالشهادة بالدين وهذا لا يصح قياسًا على النسب والموت فإنه وافقنا فيهما وبقولنا قال أحمد في الكل، وأما الدين قال بعض أصحابنا: لا نسلم وإن سلمنا فإنه لا تقع الاستفاضة بقدره بل يستفيض الدين في الجملة من حيث المطالبة به بخلاف الأعيان فإن قيل: يمكنه أن يعلم الملك بمشاهدة سببه فلا حاجة إلى الشهادة بالاستفاضة قلنا: وجود السبب لا يثبت به الملك لأنه يجوز أن يشتري ما لا يملك البائع، أو يصطاد صيدًا قد صاده غيره وانفلت منه وإنما يتصور بادرًا أن يشاهده يأخذه من ماء دجلة.

فإن قيل لم قال الشافعي: وجوه العلم ثلاثة؟ وهي أكثر من ثلاثة فإن بالحواس الخمس يقع العلم والاستفاضة لا تكون علمًا بل هي ظن. قلنا: قصد الشافعي رضي الله عنه إلى وجوه العلم التي تقع الشهادة بها فإن الشم والذوق لا حاجة إليه في الشهادة به، وإنما تكون معظم الشهادات بالوجوه التي ذكرناهما وأما الاستفاضة، وإن كانت ظنًا ولكن الظن يسمى علمًا بدليل [١٢/ ١٢٤ أ] قوله تعالى: {ومَا شَهِدْنَا إلاَّ بِمَا عَلِمْنَا}] يوسف: الآية ٨١ [أي بما ظننا.

فرع آخر

قال الشافعي رضي الله عنه: من شرط جواز الشهادة فيما ذكرنا أن يتظاهر به الخبر زمانًا طويلًا ممن يصدق ولا يكون هناك دافع يدفعه ولا منازع ينازع فيه ولا دلالة يرتاب بها قال أصحابنا: وهذا يدل على أن تظاهر الأخبار ليس مما يوجب العلم الضروري وإنما يصل به المعرفة في القلب بضرب من الاستدلال إذا تكرر الخبر مرة بعد مرة من أهل الصدق وليس هناك ريبة تدل على غير ما أخبروا به فيدل السامع على أنه كما أخبروا به فيجوز أن يشهد به لما ذكرنا.

وقال صاحب "الحاوي": أقل العدد في هذا الخبر أن يبلغوا عدد التواتر، وقال أبو حامد وجماعة: أقله عدلان يذكران نسبه خبرًا لا شهادة يسكن قلبه إلى خبرهما لأن الحقوق تثبت بقول اثنين قال: وهذا لا يصح لأن قول الاثنين من أخبار الآحاد وبأخبار الآحاد لا تحصل الاستفاضة فوجب أن يعتبر فيه العدد المقطوع بصدق مخبره وهو عدد التواتر المنتفي عنه المواطأة والغلط، والقول الأول أولى عندي وهو أنه لا يعتبر العلم الضروري ولا يكفي فيه شاهدان على ما يثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>