للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كتاب العطايا والصدقات والحبس والسائبة]

مسألة:

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: "يَجْمَعُ مَا يُعْطَى النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ ثْمَّ يَتَشَعَّبُ وَجْهٍ مِنْهَا فَفِي الحَيَاةِ وَجْهَانِ وَبَعْدَ المَمَاتِ مِنْهَا وَجْهً فَمِمَّا فِي الحَيَاةِ الصَّدَقَاتِ وَاحْتَجَّ فِيهَا بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَلَكَ مَائَةَ سَهْمٍ من مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لمْ أُصِبْ مَالًا مِثْلَهُ قَطُّ, وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَبْسُ الْأَصْلِ الثَّمَرَةِ" قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: "فَلَمَّا جَازَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْبَسَ أَصْلَ الْمَالِ وَتَسّبَلَ الثَّمَرَةُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِخْرَاجِهِ الأَصْلَ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا لَا يَمْلِكُ مَنْ سَبَّلَ عَلَيْهِ ثَمَرَهُ بَيْعَ أَصْلِهِ، فَصَارَ هَذَا الْمَالُ مُبَايِنًا لِمَا سِوَاهُ وَمُجَامِعًا لَأَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ، فَمَلَّكَهُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لَا رَقَبَتَهُ كَمَا يَمْلِكْ المُحْبَسُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْمَالِ لَا رَقَبَتَهُ، وَمُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحَبِّسِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَالَ كَمَا مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُعْتِقِ أَنْ يَملِكَ العَبْدَ وَيَتِمَّ الحَبْسُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عًنْهُ هُوَ المُصَدِّق بِأَمْرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَلِي صَدَقَتَهُ فِيمَا بَلَغَنَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَلِي صَدَقَتَهُ حَتَّى لَقِي اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَزَلْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صَدَقَتَهَا حَتَّى لَقِيتَ اللَّهَ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثًا ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقَتْ بِمَالِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي المًطَّلِبِ وَأَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ".

قال في الحاوي: فأما الذي يكون بعد الوفاة فهو الوصية ولها كتاب مفرد نذكرها فيه إن شاء الله، وأما اللذان في حال الحياة فهما الهبة، والوقف، فأما الهبة فلها باب يجيء فيما بعد، وأما الوقف فهذا موضعه فالوقف يحبس الأصل ويسبل المنفعة، وجمعه وقوف وأوقاف، فإذا وقف شيئًا زال ملكه عنه بنفس الوقف ولزم الوقف، فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه، وليس من شرطه لزوم القبض ولا حكم الحاكم وهو قول الفقهاء، أجمع، وهو قول أبي سفيان ومحمد غير أن محمدًا يقول: من شروط لزومه القبض، وروى عيسى بن أبان أن أبا يوسف لما قدم بغداد كان على قول أبي حنيفة في بيع الأوقاف حتى حدثه

<<  <  ج: ص:  >  >>