معًا، وأن ما ذهب إليه الشافعي من تكفيره بالمال مخالف لأصوله من وجهين:
أحدهما: أنه لما غلب فيما عدا الكفارة حكم الرق على الحرية وجب أن يكون كذلك في الكفارة.
والثاني: ما ذكره المزني من أن نقصان المكفر إذا كان بعضه حرًا مملوكًا كنقصان التكفير إذا وجد بعض الإطعام وعدم بعضه، فوجب أن يكون عجزه ببعض بدنه مع قدرته على جميع الكفارة كعجزه عن بعض الكفارة مع قدرته بجميع بدنه.
والثالث: وهو ظاهر المذهب وما عليه جمهور أصحابنا أنه لا يكفر إلا بالمال على القولين معًا تغليبًا لحكم الحرية على الرق وإن غلب حكم الرق على الحرية في غير الكفارة، استدلالًا بقول الله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ}[النساء: ٩٢] وهذا واحد فلم يجزه الصيام، ولأن تكفير الحر الموسر بالمال، وتكفير العبد القن بالصوم، فلم يخل حال من تبعضت فيه الحرية والرق، من ثلاثة أحوال، إما أن يغلب حكم الحرية من تكفير المال، أو يغلب حكم الرق في تكفيره بالصيام، أو ببعض تكفيره بالمال والصيام بحسب ما فيه من حرية ورق، وقد أجمعوا على إبطال التبعيض فلم يبق إلا تغليب أحدها فكان تغليب الحرية على الرق في التكفير بالمال أولى من تغليب الرق على الحرية في التكفير بالصيام من وجهين:
أحدهما: أنه لما تغلب حرية بعضه في السراية إلى عتق جميعه تغلب حكمها في تكفيره.
والثاني: أن التكفير بالمال أصل، وبالصيام بدل، ولذلك كان لمن فرضه الصيام أن يكفر بالمال ولم يجز لمن فرضه المال أن يكفر بالصيام فكان تغليب ما أوجب الأصل من المال أولى من تغليب ما أوجب البدل من الصيام، أما تغليب الرق فيما سوى ذلك من الأحكام، فلأن تبعيض الحرية والرق موجب لتغليب أغلظ حكميه، فكان أغلظهما من الكفارة حكم الجزية، وأغلظهما فيما عداها حكم الرق. وأما الجواب عما استدل به المزني من أن نقصان المكفر كنقصان الكفارة، فهو أن نقصان الكفارة مفضٍ إلى التبعيض فسقط، ونقصان المكفر موجب لكمال الكفارة، وافترقا في النقص لافتراقهما في الموجب، والله أعلم بالصواب، وبالله التوفيق.