قال في الحاوي: وهذا كما قال، إذا كان ساكنًا في دار فحلف أن لا يسكنها فإن بادر بالخروج منها عقيب يمينه بر ولم يحنث وإن توقف عن الخروج مع القدرة عليه حنث، سواء قل مقامه، أو كثر وشرع في إخراج رجله، أو لم يشرع، وقال مالك: إن أقام بعد يمينه يومًا وليلة حنث، وإن أقام أقل من يوم وليلة لم يحنث لأنه لا ينطلق عليه اسم السكنى إلا باستكمال هذا الزمان، وقال أبو حنيفة: إن أقام لنقل رحله وجمع متاعه لم يحنث وإن أقام لغير ذلك حنث، لأنه بإخراج متاعه مفارق لحكم السكنى، وقال زفر بن الهذيل: قد حنث بنفس اليمين، ولا يبر أن يبادر بالخروج، لأنه مقيم على السكنى قبل مفارقتها.
ودليلنا هو أن استدامة المقام فيها سكنى لاستصحاب ما تقدم من حاله فحنث لانطلاق اسم السكن عليه بخلاف ما قال مالك وأبو حنيفة، وإذا بادر بالخروج فهو تارك ولا يكون ترك الفعل جاريًا مجرى الفعل، لأنهما ضدان، فيبطل به قول زفر، ثم يقال لمالك وأبي حنيفة: قد وافقتما أنه لو حلف لا أقيم في هذه الدار فلبث فيها بعد يمينه حنث وكذلك إذا حلف لا يسكنها، لأن المقام فيها سكنى والسكنى فيها مقام، ويتحرر هذا الاستدلال قياسًا فيقال: إن ما حنث به في المقام حنث به في السكنى قياسًا على اليوم والليلة مع مالك وعلى من أمسك عن جميع رحله وقياسه مع أبي حنيفة.
قال في الحاوي: اختلف الفقهاء فيمن حلف لا يسكن دارًا هو ساكنها بماذا يبر في يمينه على أربعة مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الشافعي أنه يبر إذا انتقل منها ببدنه ولا اعتبار بنقل عياله وماله.
والثاني: وهو مذهب مالك أنه لا يبر إلا أن ينتقل ببدنه وعياله، ولا اعتبار بنقل ماله.
والثالث: وهو مذهب أبي حنيفة: أنه لا يبر، حتى ينتقل ببدنه وعياله وماله؟ فمتى خلف أحدها حنث.
والرابع: وهو مذهب محمد بن الحسن أن بره معتبر بنقل بدنه وعياله، وأن ينقل من ماله ما يستقل به، وإن خلف فيها ما لا يستقل به من سكانها بر، وإن خلف ما يستقل به في سكانها حنث، واستدلوا على اختلاف مذاهبهم في أن البر لا يختص ببدنه دون عياله