أحدهما: أن من استضاف رجلًا ببدنه لم ينسب إلى السكنى عنده لخروجه عن عرف السكنى، فصار العيال والمال من جملة السكنى.
والثاني: أن من خلف عياله وماله في داره، وخرج منها إلى دكانه، أو بستانه لا يشار بسكناه إلى مكانه ويشار به إلى داره المشتملة على عياله ماله.
ودليلنا قول الله تعالى {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[إبراهيم: ٣٧] فكان بالشام وولده وأمه بمكة، فلم يخرج عن سكنى الشام، وإن كان عياله في غيرها.
ولأنه لو جاز أن يكون ساكنًا فيها بعد الانتقال عنها ببدنه، لبقاء عياله وماله لوجب إذا سافر ببدنه أن يكون كالمقيم في المنع من قصره، وفطره، فلما أجرى عليه حكم السفر وجب أن يجري عليه حكم الانتقال، ولأن المتمتع بالعمرة إلى الحج لو أقام بمكة كان كالمستوطن لها في سقوط الدم عنه، وإن كان عياله وماله في غيرها فدل على أن الاعتبار ببدنه دون عياله وماله، وقد قال الشافعي أنا مقيم بمصر، وأهلي وولدي وكتب بمكة أفتراني ساكن بمكة، لأنه علق يمينه بفعله فوجب أن يكون حكمها موقوفًا عليه دون غيره، لأن الأحكام تتعلق بحقائق الأسماء.
وأما الجواب عن استشهادهم بالضيف فهو أنه نزلها ضيفًا، فلم ينطلق عليه اسم السكنى، وإن كان مع عياله وماله وليس كذلك إذا قصد السكنى فكان اختلاف الاسمين لاختلاف المقصدين موجبًا لاختلاف الحكمين، وبمثله يجاب عن استشهادهم الثاني من الخارج إلى دكانه وبستانه.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من شرط بره أن يكون معتبرًا بتعجيل خروجه بنفسه لم يخل حاله من أن يكون قادرًا على الخروج أو ممنوعًا، فإن كان ممنوعًا من الخروج، إما لحبسه في داره المغلق أبوابه، أو لتقييده وإمساكه أو لزمانته، وهو لا يجب من يحملها منها لم يحنث ما كان باقيًا على عجزه ومنعه، لأن وجود المكنة شرط في الأفعال المستحقة وخرج فيها أبو علي بن أبي هريرة قولًا آخر أنه يحنث من اختلاف قوليه في حنث الناس، وليس بصحيح لما عللنا.
وإن كان قادرًا على الخروج فتوقف للبس ثيابه التي جرت عادته في الخروج بها لم يحنث ولو توقف لأكل أو شرب حنث، وكذلك لو توقف لطهارة أو صلاة حنث، لأنه لم يقدر على فعل ذلك في غيرها إلا أن يضيق عليه وقت الصلاة، ويعلم أنه إن خرج منها فاتته فلا يحنث بالصلاة، لأن الشرع قد منعه من الخروج قبل الصلاة فكان أوكد من منع المخلوقين، ولو توقف فيها لغلق أبوابه، أو إحراز ما يخاف عليه تلفه من أمواله، فإن