أحدهما: أنهم قالوه اعتقاداً للتعظيم، وهذا الشتم اعتقاد للتحقير.
والثاني: أنهم يقرون على قولهم، إن الله ثالث ثلاثة، فلم ينتقض به عهدهم، وغير مقرين على شتم رسول الله صل الله عليه وسلم فانتقض به عهدهم.
[باب الحكم في المهادنين والمعاهدين]
وما أتلف من خمرهم وخنازيرهم وما يحل منه وما يرد
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى:"لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسير أن النبي صل الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل {فَإن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢] إنما نزلت فيهم ولم يقروا أن يجري عليهم الحكم وقال بعضهم: نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وهذا أشبه بقول الله عز وجل {وكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ}[المائدة:٤٣] الآية. قال: وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجرى عليهم الحكم إذا جاؤوه في حد لله تعالى وعليه أن يقيمه لما وصفت من قول الله تعالى: {وهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩]. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود لا يحدون وأرفعهم إلى أهل دينهم ".
قال في الحاوي: وقد مضت هذه المسألة في مواضع شتى. وجملته أن من خالف دين الإسلام من أهل الأمان صنفان: أهل ذمة وأهل عهد، فأما أهل العهد إذا تحاكموا إلينا، فحاكمنا بالخيار بين أن يحكم بينهم، وبين أن يمتنع؛ لقول الله تعالى:{فَإن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢] فلم يختلف أهل العلم أنها نزلت فيمن وادعه رسول الله صل الله عليه وسلم من يهود المدينة قبل فرض الجزية، فكانوا أهل عهد لا ذمة لهم، واختلف فيها هل نزلت عامة أو على سبب، فالذي عليه قول الأكثرين، أنها نزلت عامة؛ لغير سبب.
وقال بعضهم: بل نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، فكان سببها خاصاً وحكمها عاماً، فإن حكما حاكمنا بينهم كانوا مخيرين بين التزامه، وبين رده.
فإن قيل: فقد رجم اليهوديين الزانيين بغير اختيارهما؛ لأنهما أنكرا الرجم.
قيل لهم: كان الإنكار لوجوب الرجم في الشرع، ولم يكن ذلك امتناعاً من التزام حكمه.
وأما أهل الذمة، ففي وجوب الحكم إذا تحاكموا إلينا قولان:
أحدهما: أنهم كأهل العهد يكون حاكمنا في الحكم بينهم مخيراً، وهم في التزامه