والثاني: قاله في القديم: أن عليه مهر مثلها لأن البضع لا ينتهك إلا بمهر في الشبهة أو حد في الزنا فلما سقط الحد وجب المهر وخالف السلع في البيوع لأنها تملك بالإباحة ولا يملك البضع بالإباحة فإذا تقرر هذان القولان:
فقد اختلف أصحابنا في موضوع القولين:
فذهب البصريون منهم إلى أنهما مع جهلهما بسفهه وثبوت حجره فإن وجوب مهرها عليه يكون علي قولين فأما إذا كانت عالمة بسفهه وحجره فلا مهر لها عليه قولاً واحدًا لأن في تمكينها مع العلم بحاله إبراء له.
وقال البغداديون منهم بل القولان مع العلم بحاله مع الجهل بها في أن مهرها على قولين لأنه غرم يعتبر بفعله فعلى هذا إن أوجبنا عليه المهر أخذ من ماله في الحال ولم ينظر به فكاك الحجر إلا أن يكون معسرًا فينظر به إلى وقت يساره وإن أسقطنا عليه المهر فلا شيء عليه في الحال ولا بعد فكاك حجره في الحكم.
وهل عليه فيما بينه وبين الله تعالى بعد فكاك حجره أن يدفع إليها ما يصير البضع مستباحًا به أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا شيء عليه لأنه فعل ظاهر فإذا لم يلزمه به حق في الظاهر ولم يلزمه في الباطن.
والثاني: عليه فيما بينه وبين الله تعالى ما يستحل به البضع لأن لا يكون مستبيحًا لبضعها بغير بذل فعلى هذا فيما يلزمه وجهان:
أحدهما: مهر مثلها لأنه قيمة مستهلك عليها.
والثاني: أن يستطيب نفسها بما يصير البضع مستباحًا به من غير تقدير مهر المثل ما لم يزد على مهر المثل لقوله صَلًّى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" ولأن لا يشارك رسول الله صَلًّى الله عليه وسلم فيما خص به من استباحة الموهوبة بغير مهر, والله أعلم.
[باب التفويض]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: "التَّفْوِيضُ الَّذِي مَنْ تَزَوَّجَ بِهِ عُرٍفَ أَنَّهُ تَفْوِيضُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ الثَّيِّبَ المَالكَةَ لأَمْرِهَا بِرِضَاهَا وَيَقُولَ أَتَزَوَّجُكِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَالنَّكَاحُ فِي هّذَا ثَابِتُ".
قال في الحاوي: أما التفويض في اللغة: فهو التسليم يقال: فوضت أمري إلى فلان أي سلمت أمري إليه ووكلته إلى تدبيره ومنه قوله تعالي: {وأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ} [غَافر:٤٤] أي أستسلم إليه.