الغائب غائبان؛ غائب غاب شخصه ولم يغب خبره كالأسير يختص خبره، وكالتاجر خرج إلي بلد [ق ١٢٤ أ] فأقام طويلاً، فهذا لا يزول ملكه عن ماله، ولا عن زوجته، فإن كان له مال ينفق عليها نفقة الحاكم، وإن لم يكن كتب إلي الحاكم الذي هو في بلده ليطالبه بحقوقها، وغائب غاب شخصه وانقطع خبره وهو المفقود، فإذا فقد لا فصل بين أن يفقد في جوف البلد، أو في السفر، أو بين الصفين في الحرب، أو كان في مركب فانكسر ولا يعلم حاله فلا خلاف أنه لا يزال ملكه عن أمواله وتكون باقية بحالها لا تورث ولا يتصرف فيها. وأ/ االحكم في زوجته، قال القديم: تأتي الحاكم حتى يأذن لها أن تتربص أربع سنين، ثم يحكم بوفاته وتعتد عدة الوفاة، ثم تحل ويكون ابتداء التربص من حين أمرها الحاكم لا من حيث فقد.
وروي ذلك عن عمرٍ، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق رضي الله عنهم. وحكي عن مالك أنه فرق فقال: إن خرج نهاراً لا يكون حكمه حكم المفقود، وإن خرج ليلاً يكون مفقوداً.
وقال في الجديد: تكون علي الزوجية أبداً حتى يأتيها يقين وفاته، وبه قال علي رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز، وهو قال أهل الكوفة ابن أبي ليلي، وأين برمة، والنخعي، والثوري، وأبي حنيفة. وقيل: رجع عن قوله القديم.
وذكر القفال أنه قال في الجديد: من حكم بهذا نقضت حكمه لأن هذا يخالف القياس الجلي.
وقال صاحب الحاوي: لو حكم حاكم بقوله القديم هل ينقض حكمه؟ وجهان:
أحدهما: ينقض، لأن القياس قوي، وقد رجع عمر رضي الله عنه.
والثاني: لا ينقض لأن الخلاف منتشر ظاهر، وهذا أظهر.
وفيما حكاه القفال نظر، [ق ١٢٤ ب] واحتجوا بما روي عبد الرحمن بن أبي ليلي أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن زوجي خرج إلي مسجد مكة