ففقد فأمرها عمر أن تتربص أربع سنين فتربصت، ثم عادت فقال لها: اعتدي بأربعة أشهر وعشراً فلما انقضت أتت إليه فقال لها: قد حللت للأزواج فتزوجت فعاد زوجها فأتي عمر رضي الله عنه فقال له: تزوجت امرأتي فقال: ومع ذالك؟ قال: غبت أربع سنين عنها فزوجتها، فقال عمر: يغيب أحدكم أربع سنين في غير غزو ولا تجارة، ثم يأتيني فيقول: تزوجت امرأتي [فقال له: إن عذراً يا أمير المؤمنين، قال: وما عذرك] فقال: خرجت إلي مسجد أهلي فاستلبني الجن فمكثت معهم فغزاهم جن من المسلكين فوجدوني معهم في الأسر فقالوا: ما دينك؟ فقلت: الإسلام فخيروني بين أن أكون معهم وبين الرجوع إلي أهلي، فاخترت الرجوع إلي أهلي فسلموني إلي قوم، فكنت أسمع بالليل كلام الرجال وبالنهار أري مثل الغبار فأسير في أثره حتى أهبطت عندكم، فخيره عمر بين أن يأخذ زوجته، وبين أن يأخذ مهرها.
وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قضي به مثل ذلك، وروي عنهما: ثم يطلقها ولي زوجها بعد أربع سنين، ثم تتربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً ثم تتزوج.
وقال مسروق: لولا أن عمر خير المفقود بين امرأته وبين الصداق لرأيت أنه أحق بها إذا جاء.
وأيضاً إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته كان لها الخيار لما عليها من الضرر بفقد الاستمتاع فهنا ولا مال ولا استمتاع ودخل الضرران جميعاً أولي أن يثبت حق الفراق، وهذا غلط لما روي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقال:[ق ١٢٥ أ] امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان" وروي: "حتى يأتيها بيقين موته أو طلاقه" ولأن الأصل بقاء الزوجية فلا تزال بالشك، ولأنه لم يحكم بموته في الميراث ولهذا لا يقسم ماله بين ورثته فلا يحم بموته في إبانة زوجته، وهذا معني قول الشافعي: " لا يجوز أن تعتد من وفاته ومثلها يرث إلا ورثت زوجها، وقوله:" ومثلها يرث" أي ليست بقاتلة ولا مملوكة ولا كافرة.
وقصد الشافعي بهذا الكلام الرد علي أبي حنيفة حيث قال: إذا مضي مائة وعشرون سنة من وقت ميلاد الزوج فلم يرجع ولم يظهر له خبر جاز لها أن تعتد وتنكح زوجاً آخر، لأن هذه المدة أطول ما يعهد من العمر في هذه الإعصار، ثم قال: إنها لا تأخذ ميراثه، فاحتج عليه بما ذكر.