فأما قتلنا من لا نعلم هل بلغتهم الدعوة، أو لم تبلغهم ففي ضمان دمائهم وجهان بناء على اختلاف الوجهين هل كان الناس قبل ورود الشرع على أصل الإيمان حتى كفروا بالرسول أو كانوا على أصل الكفر حتى آمنوا بالرسل.
فأحد الوجهين: أنهم كانوا على أصل الإيمان حتى كفروا بالرسل، وهذا قول من زعم أنهم محجوبون في التوحيد بالعقل دون السمع، فعلى هذا يكون دماء من جهلت حالهم مضمونة بدمائهم.
والثاني: أنهم كانوا قبل ورود الشرع على أصل الكفر حتى آمنوا بالرسل وهذا قول من زعم أنهم محجوبون في التوحيد بالسمع دون العقل، فعلى هذا تكون دماء من جهلت حالهم هدراً لا تضمن بقود ولا دية، ومن هذين الوجهين اختلف المفسرون في تأويل قول الله تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} على قولين:
أحدهما: أنهم كانوا على الكفر حتى أمن منهم من أمن وهذا قول ابن عباس والحسن.
والثاني: أنهم كانوا على الحق، حتى كفر منهم من كفر، وهذا قول قتادة والضحاك والأكثرين، والله أعلم.
[باب ما أحرزه المشركون من المسلمين]
قال الشافعي رحمه الله:" لا يملك المشركون ما أحرزوه على المسلمين بحال أباح الله لأهل دينه ملك أحرارهم ونسائهم وذراريهم وأموالهم فلا يساوون المسلمين في شيء من ذلك أبدا قد أحرزوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأحرزتها منهم الأنصارية فلم يجعل لها النبي عليه السلام شيئا وجعلها على أصل ملكه فيها وأبق لابن عمر عبد وعار له فرس فأحرزها المشركون ثم أحرزها عليهم المسلمون فردا عليه وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه مالكه أحق به قبل القسم وبعده ولا أعلم أحداً خالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبداً لمسلم فأدركه وقد أوجف عليه قبل القسم أنه لمالكه بلا قيمة ثم اختلفوا بعدما وقع في المقاسم فقال منهم قائل وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يوافق الكتاب والسنة والإجماع وقال غيرنا هو أحق به بالقيمة إن شاؤوا ولا يخلوا من أن يكون مال مسلم فلا يغنم أو مال مشرك فيغنم فلا يكون لربه فيه حق ومن زعم أنهم لا يملكون الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبر ويملكون ما سواهم فإنما يتحكم"