وإذا قد مضت دلائل الفتح في العنوة والصلح، فالذي أراه على ما يتقضيه نقل هذه السيرة وشروط الأمان فيها لمن لم يقاتل، وأنه يخرج منه من قائل: أن أسفل مكة دخله خالد بن الوليد عنوة، وأعلى مكة دخله الزبير بين العوام صلحًا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عقد الأمان بعد خالد بن الوليد أسفل مكة، وبعث الزبير من أعلاها، وأمرهما أن لا يقاتلا إلا من قاتلهما، فأما خالد بن الوليد فإنه دخل من أسفل مكة فقوتل فقاتل، فلم يوجد فيهم قبول الشرط قال الشافعي: إنما قاتله بنو بكر ولم يكن لهم بمكة دار، وقد ثبت أنه كان في مقاتله عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، وهم من أكابر قريش وأعيان أهل مكة وهي دارهم، وأما الزبير بن العوام، فإنه دخل من أعلى مكة فلم يقاتله أحد، ولا قاتل أحدًا، فوجد شرط الأمان منهم فانعقد الصلح لهم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع جيشه من جهة الزبير بن العوام، فصار حكم جبهته هو الأغلب، فلما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة التزم أمان من لم يقاتل، واستأنف أمان من قاتل، ولذلك استجد لعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية أماناً، وأمن من إجارته أم هانئ، ولم يغنم أسفل مكة، لأن القتال كان على جبالها، ولم يكن فيها، فهذا ما اقتضاه نقل السيرة وشواهد حالها.
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما قاتل خالد وقتل:" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" فدل على أن خالد قاتل وقتل بغير حق، ففيه وجهان:
أحدهما: أن هذا، قال لخالد في غير يوم الفتح، لأنه بعثه بعد استقرار الفتح سرية من مكة إلى بني جذيمة من كنانة، وكانوا أسفل من مكة على ليلة منها ناحية يلملم ليدعوهم إلى الإسلام، فأتاهم وقد أسلموا وصلوا فقتل من ظفر به منهم، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" وأنفذ علي بن أبي طالب بديات من قتل منهم.
والثاني: أنه لو قاله يوم الفتح جاز أن يكون ذلك منه قبل علمه بأنهم قاتلوه، والله أعلم بالصواب.
[باب وقوع الرجل على الجارية قبل القسم]
أو يكون له فيهم أب أو ابن وحكم السبي
قال الشافعي رحمه الله تعالى:" إن وقع على جارية من المغنم قبل القسم فعليه مهر مثلها يؤديه في المغنم وينهي إن جهل ويعزر إن علم ولا حد للشبهة لأن فيها شيئا قال: وإن أحصوا المغنم فعلم كم حقه فيها مع جماعة أهل المغنم سقط عنه بقدر