محمول على البيت لقوله تعالى: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران ٩٦]. فإن قيل: فالمراد به الحرم لأنه قال: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ} [آل عمران ٩٧] ومقامه خارج البيت لا فيه فعنه جوابان:
أحدهما: أن مقام إبراهيم حجر منقول لا يستقر مكانه, فيجوز أن يكون في وقت وضع الحجر في البيت ثم أخرج منه.
والثاني: أنه محمول على أنه في مقام إبراهيم آيات بينات.
وأما قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت ٦٧] فهو دليلنا لأنه مقتضى الأمن أن لا يؤخر فيه الحقوق ويعجل استيفاءها لأهلها, وإذا أخرت صارت مضاعة فخرج الحرم عن أن يكون آمنًا. وأما الجواب عن الخبر. وقوله: "القاتل في الحرم" فمحمول على ابتداء القتل ظلمًا بغير حق دون القصاص لأمرين:
أحدهما: أن لقتل القصاص أسماء هو أخص إطلاقه على غيره.
والثاني: أنه جعله من أعتى الناس وليس المقتص من أعتى الناس, لأنه مستوف لحقه ومستوفي الحق لا يكون عاتيًا, وإنما العاتي المبتديء ولئن كان داخلًا في قوله: "من قتل غير قاتله" فأعيد ذكر قتله في الحرم تغليظًا وتأكيدًا كما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى} [البقرة ٢٣٨] وأما جمعه بين الكعبة والحرم فقد أجمعنا على الفرق بينهما لأنه يقتص منه في الحرم إذا قتل فيه فجاز أن يقتص منه فيه إذا لجأ إليه, ولا يقتص منه في الكعبة إذا قتل فيها, فلم يقتص منه فيها إذا لجأ إليها وما ذكروه من الصيد وتغليظ حرمة الآدمي عليه فاسد بالإحرام, لأنه يمنع من قتل الصيد ولا يمنع من القصاص مع تغليظ حرمة الآدمي على الصيد كذلك حال الإحرام والله أعلم.
[باب أسنان الخطأ وتقويمها وديات النفوس والجراح وغيرها]
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "قال الله تعالى: {ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} [النساء ٩٢] فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن الدية مائة من الإبل, وروي عن سليمان بن يسار قال: إنهم كانوا يقولون دية الخطأ مائة من الإبل عشرةن ابنة مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون ابن لبون وعشرون جذعة. قال الشافعي رحمه الله: "فبهذا نأخذ".
قال في الحاوي: أما الدية من الإبل فمائة بعير في العمد والخطأ, وفي عمد الخطأ, قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانًا لقول الله تعالى: {ودِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} [النساء ٩٢] وكان أول من قضة بها في الجاهلية على ما حكاه ابن قتيبة في كتاب المعارف أبو