من تكافؤ البينتين فيجعل الدار بينهما نصفين، باليد واليمين في أحد القولين، وبالبينة من غير يمين في القول الثاني، وإن ترجحت الشهادة بقديم الملك على القول الثاني خلص لصاحبها النصف الذي في يده، وتقابل في النصف الآخر، ترجيح بينة بقديم الملك، وترجيح بينة الآخر باليد، فعلى قول أبي إسحاق المروزي يحكم به لمن ترجحت بينة بقديم الملك، فتصير جميع الدار له لأنه يجعل الترجيح بتقديم الملك أقوى من الترجيح باليد وعلى الظاهر من مذهب لشافعي، وما عليه جمهور أصحابه يحكم بالنصف الآخر لصاحب اليد، لأنه يجعل الترجيح باليد أقوى من الترجيح بقديم الملك فتصير الدار بينهما نصفين بغير إيمان قولاً واحداً لأنه محكوم بينهما في النصفين بترجيح البينتين من غير إسقاط لهما ولا قسمة باستعمالها والله أعلم.
[باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة]
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله:"وإذا قام أحدهما البينة أنه اشترى هذه الدار منه بمائة درهم ونقده الثمن وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن بلا وقت فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ويرجع بالنصف وإن شاء ردها. وقال في موضع آخر: إن القول قول البائع في البيع. قال المزني: هذا أشبه بالحق عندي لأن البينتين قد تكافأتا وللمقر له بالدار ليس لصاحبه كما يدعيانها جميعاً ببينة وهي في يد أحدهما فتكون لمن هي في يديه لقوة سببه عنده على سبب صاحبه. قال المزني رحمه الله وقد قال لو أقام كل واحد منهما البينة على دابة أنه نتجها أبطلتهما وقبلت قول الذي هي في يديه".
قال في الحاوي: جمع المزني في هذا الباب بين ثلاث مسائل نقلها عن الشافعي:
فالأولى: بائع ومشتريان.
والثانية: بائعان ومشتريان.
والثالثة: مشتر وبائعان.
فأما الأولى: هي مسألتنا فصورتها في رجلين تداعيا ابتياع دار من رجل واحد فقال أحدهما: اشتريتها منه بمائة درهم، ونقدته الثمن، وأقام على ذلك بينة. وقال الآخر: إنما اشتريتها منه بمائتي درهم، وأقام على ذلك بينة فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون في البينة بيان على تقدم أحد العقدين على الآخر.
والثاني: أن لا يكون فيها بيان، فإن بان بهما تقديم أحد العقدين على الآخر، بأن تشهد بينة أحدهما، أنه ابتاعها منه في رجب وتشهد بينة الآخر أنه ابتاعها منه في شعبان،