قال الشافعي:"الحكم في المشركين حكمان فمن كان منهم أهل أوثان أو من عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب لم تؤخذ منهم الجزية وقوتلوا حتى يقتلوا أو يسلموا لقول الله تبارك وتعالى: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدتُّمُوهُمْ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله".
قال في الحاوي: وهذه المسألة من كتاب الجزية وإنما قدمها المزني في الجهاد لتعلقها بأحكامه، والمشركون ثلاثة أصناف:
أحدها: أهل الكتاب.
والثاني: من لهم شبهة كتاب.
والثالث: من ليس بأهل كتاب، ولا لهم شبهة كتاب.
فإن قيل: فلم جعلهم الشافعي صنفين وهم أكثر، فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم في حكم الجزية صنفان، وإن كانوا في غيرها من الأحكام أكثر.
والثاني: لأن الذين جاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على عهده صنفين. فإن قيل: فلم أدخل أهل الكتاب في المشركين، وأطلق عليهم اسم الشرك وقد منع غيره من الفقهاء إطلاقه اسم الشرك عليهم، لأنه ينطلق على من جعل لله شريكًا معبودًا فعنه جوابان:
أحدهما: لأن فيهم من جعل لله ولدًا وفيهم من جعله ثالث ثلاثة.
والثاني: لأنهم لما أنكروا معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضافوها إلي غيره جعلوا له شريكًا فيها، فلم يمتنع لهذين أن ينطلق عليهم اسم الشرك فأما أهل الكتاب فصنفان:
أحدهما: اليهود ومن تبعهم من السامرة وكتابهم التوراة.
والثاني: النصارى ومن تبعهم من الصابئين وكتابهم الإنجيل، فهو لا يجوز أخذ الجزية منهم إن بذلوها مع أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم، وأما من ليس بأهل كتاب ولهم شبهة كتاب فهم المجوس، لأن وقوع الشك في كتابهم أجرى عليهم حكمه في حقن دمائهم، فيجوز أن تؤخذ منهم الجزية، ولا يجوز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم على الصحيح من المذهب وسيأتي شرحه.
وأما من ليس بأهل كتاب ولا لهم شبهة كتاب فهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من الشمس والنار فلا يجوز أن تقبل جزيتهم ولا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح