وهذا كما قال: الجمعة هو اليوم الذي بين الخميس والسبت، وذلك مستقيم متواتر يعلمه كل أحد، وكانت العرب قبل الإسلام تسميه العروبة، ثم سميت يوم الجمعة. قال الشاعر:
نفسي الفداء لأقوام هم خلطوا يوم العروبة أوراداً بأوراد
وصلاة الجمعة فرض على الأعيان، وغلط بعض أصحابنا فقال فيه: قول آخر إنها من فرائض الكفايات؛ لأن الشافعي رحمة الله عليه قال:[٨٢ أ/ ٣] ومن وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين، وصلاة العيد هي من فرائض الكفايات.
وقد قال في "القديم": إذا صلى الظهر يوم الجمعة بعد الزوال قبل الإمام فقد أساء، ولا إعادة عليه وهذا لا يجوز اعتقاده ولا حكايته عن الشافعي، وأراد بما قال في العيد: من وجب عليه الجمعة حتماً وجب عليه العيد اختياراً. وقد قال أصحابنا: من نسب هذا إلى الشافعي عذر، وذكر الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله في "معالم السنن": أن الشافعي علق القول فيه، وقال أكثر الفقهاء: هي من فروض الكفاية وهذا غريب، والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩].
قيل: أراد بالذكر الصلاة، وقيل: أراد الخطبة وفيه ثلاثة أدلة:
أحدها: أنه إذا أمر بالسعي والأمر على الوجوب ولا يجب السعي إلا لما هو واجب.
والثاني: أنه نهى عن البيع فيه والنهي يقتضي التحريم ولا ينهى عن المباح إلا لفعل واجب.
والثالث:[٨٢ ب/٣] أنه وبخ على ترك الجمعة بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}[الجمعة: ١١]. ولا يوبخ إلا على ترك الواجب والمراد بالسعي المضي والذهاب لا الإسراع في المشي والفعل يسمى سعياً. قال الله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ