الله: يجوز للمريض والخائف ذلك، وبه قال عطاء بن أبي رباح وقالوا: يجوز في الوحل أيضاً: لأنه كالمطر في المشقة، ولهذا يجوز ترك الجمعة به، واختاره القاضي الحسين فإن كانت تشد الحمى في وقت الزوال وتخف وقت العمر فالأولى أن يؤخر الظهر، وإن كانت تشد وقت العصر يقدم العمر إلى الظهر، وهذا لأنه عذر يبيح الفطر كالسفر، ولأن الضرر بهذا أكثر منه بالمطر ولهذا أبيح به ترك القيام والفطر في الصوم. وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال للمستحاضة:"إن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتغتسلي، ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً ثم تؤخرين المغرب وتعجلين بالعشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين المغرب والعشاء فافعلي، وهذا هو أحب الأمرين إلي". رواه البيهقي رحمه الله وهذا غلط،؛ لأنه لم ينقل الجمع في شيء منها وكانت كلها على عهد رسول [٨١ أ / ٣] الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأن عذر المطر من جهتين من الأعلى والأسفل، وهذا الوحل من الأسفل، وأما ترك الجمعة للرجل قلنا هناك لا يترك إلا السعي إلى المسجد ويأتي بالصلاة فيحصل له الترفه بترك السعي إلى المسجد وحده وهاهنا يترك السعي إلى المسجد ويترك الوقت الذي هو شرط من شرائط الصلاة، فكان حكمه أغلط، ولهذا جاز ترك الجمعة لخوف فوت الرفقة وطلب الغريم بخلاف الجمع.
وحكى ابن المنذر، عن ابن سيرين أنه قال: يجوز الجمع بين الصلاتين من غير مرض أيضاً، واختاره ابن المنذر واحتج بما روى أبو داود رحمه الله في سننه بإسناده عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. قال: فقلت لابن عباس: ما أراد إلى ذلك قال: أراد أن لا يحرج أمته. وقال ابن المنذر: ولا يمكن حمله على عذر من الأعذار لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهي قوله: أراد أن لا تحرج أمته وحكي عن ابن سيرين رحمه الله [٨١ ب / ٣] أنه قال: لا بأس به إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذ عادة. وهذا غلط لما روي من اختيار المواقيت. وأما خبرهم قلنا: أصحاب الحديث قد تكلموا في حبيب بن أبي ثابت، ثم إنا نحمله على أنه انقطع المطر في أثناء الصلاة الثانية، أو أراد الجمع بتأخير الظهر إلى آخر وقتها، وتعجيل العصر في أول وقتها، وفي هذا رفاهية ورفع للحرج ولا يمكن أن يول به أخبار الجمع في السفر؛ لأنه صرح هناك بما لا يحتمل هذا التأويل.