للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢/أ] كتاب الحج

بابُ إثبات فرض الحج على من استطاعَ إيه سبيلًا

اعلم أن معنى الحج في اللغةِ: القصد، ومنه يسمّى هذا الحج الشرعي حجًا، لأن فيه قصْدًا إلى بيت الله الحرام ومَشاعره، وقالَ الخليل بن أحمد: الحج كثرة القصد إلى من تعظم، والحج: المسير إلى بيت الله خاصّة، يقال: حَجة وحِجة، والحِج والحِج بالكسر والفتح، والفتح أحسن والحاج: اسم الفاعل، والحجاج من كثر الحج منه، والحجاج والحجيج: جمع الحاج، والمحجة: قَارعة الطريق، وسميت بذلك لكثرة التردد فيها، وقيل: من قصد البيت مرةً واحدةً، قيل: حجّ إليه لأنّ البيت يكثر قصده من كل أحد، فإذا قصده مرةً، قيل: حجّ البيت، فأما غير البيت، فإنما يقال ذلك إذا كثر إتيانه، ومنه قول الشاعر (١):

وأشهد من عوفٍ حُلولًا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا

وكان الزبرقان سيّد قومهِ، والسبب: العمامة، والمزعفر: منَ الزعفران، فكأنه عبّر بعمامته عَنه لأنها معظمة. فإذا تقررّ هذا، فالأصل في وجوب الحج الكتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: (١٩٦) وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنّهما قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وأيضًا قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: (٢٧) يعني: مشاةً ورُكبانًا، وقيل: إن إبراهيم عليه السلام لما أمر بالحج صعد المقام، فنادى: عبادَ الله أجيبوا داعي اللهِ [٢/ب] فأجابوه حتى أجابه من في أصلاب الرّجال وأرحام النساء، فكلّ من حجّ ولّبي فهو الذي أجاب دعوة إبراهيم عليه السلام، وهذا مبني على أن شريعة مَن قبلنا تلزمنا. وقيل: شريعة إبراهيم عليه السلام خاصّة تلزمنا لقوله تعالى: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء:١٢٥]، وأيضًا قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:٩٧]، وعلى كلمة إيجاب. وتكلم الشافعي على قوله:" وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" [آل عمران:٩٧]، فروي عن مجاهدٍ (٢) أنه قال: أرادَ به من أدّى الحج، ولم يره براٌ وتركه: ولم يره مأثمًا يكفر بذلك، لأنه


(١) لبيت من الطويل، وهو للمخبل السعدي في ديوانه (٢٩٤)، لسان العرب (١/ ٤٥٧) سبب، (٢/ ٢٢٦) حجج، (١٠/ ١٣٨ زبرق)، التنبيه والإيضاح (١/ ٩٢،١٩٦)، مجمل اللغة (٢/ ٣٢)، المخصص (٢/ ٤٦ - ١٢/ ٣٠٢)، تهذيب اللغة (٣/ ٣٨٨ - ٢/ ٣١٣)، جمهرة اللغة (ص ٨٦).
(٢) أخرجه البيهقي في" الكبرى" (٨٦٠٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>