للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترك اعتقاد وجُوبه، وأجمع الملمون على وجُوبه فوجب الكفر. وقال عكرمةُ: لما نزل قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٩٧]، قالت اليهود نحن المسلمون، فأوحى الله تعالى إلى نبيّه حجهم، يعني: مرهم بالحج فأمرهم بالحج، فقالوا: لم يكتب علينا، فنزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} إلي قوله: {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران:٩٧] يعني من أهل الكتاب (١)، وقال ابن عباس: أراد ومن كفر باعتقاد أنه غير واجب.

وأما السنّة، فخبر ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال:" بني الإسلام على خمسٍ"، الخبرُ وروي أن ضمام بن ثعلبة وردَ على رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وافدًا لقومهِ، فلما دخل المسجد، قال: أيّكم ابن عبد المطلب؟ قالوا: ذاك الأبيض المرتفق، وكان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) متكئًا، فأتاه حتى وقف عليه، فقال: أنتَ ابن عبد المطلب؟ فقال: وَجدته، فقال: إني سائلك ومغلظ عليكَ في السؤال، فلا [٣/أ] تجد عليّ، فقال: أنشدك الله، الله أرسلك إلينا رسولًا؟ قال:" اللهم نعم"، قال: أنشدك الله، الله أمركَ أن تأمرنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال:" اللهم نعم"، قالَ: أنشدك الله، الله أمركَ أن تآمرنا أن نؤدي زكاة أموالنا؟ قال:" اللهم نعم"، قال: أنشدك الله، الله أمرك أن تأمرنا أن نحج البيت إذا استطعنا إليه سبيلًا؟ قال:" اللهم نعم"، قال: أنشدك الله، الله أمرك أن تآمرنا أن نصوم شهر رمضان؟ قال:" اللهم نعم"، ثم أسلم وحّسن إسلامه.

وروى ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا ذا ت يوم عند رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إذ أقبل رجل لم ير أشد بياضًا من ثيابهِ ولا أشد سودًا من شعره لا نعرفه حتى دنا من رسول الله، فوضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه، ثم قال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصومَ رمضان وتحج البيت إن استطعت" قال: فإذا فعلت هذا فأنا مسلم، قال:" نعم"، قال: صدقت. وكان الرجل جبريل عليه السلام، وروى أبو أمامة الباهلي أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال:" من لم يمنعه من الحج مرض حابس أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فلم يحج حتى مات فليمت يهوديًا أو نصرانيًا" (٢)؛ وأخذ بعض أهل العلم بهذا الظاهر، وقال: يكفر بتأخير الحج، وهذا غلط، وتأويله: إذا لم ير الحج واجباً.

وأما الإجماع فلا خلاف فيه بين الأمّة. وأعلم أن الحج من الشراع المقدمة، وأول من حجّ البيت آدم صلوات الله عليه، وقيل: ما من نبي إلا وقد [٣/ب] حجّ هذا البيت، وقال محمد بن إسحاق: ما من نبي هلك قومه إلا انتقل بعد هلاكهم إلى مكة وعبد الله تعالى عند البيت إلى أن أتاه أجله. وروي أن النبي. قال:" مر موسى عليه الملام بالرّوحاء في سبعين نبيًا عليهم العبَاء يؤمون البيت وصَفَائح الروحاء تجاوبهم". وروي:" مر موس عليه السلام بالروحاء على ناقةٍ زمَامها من ليفٍ"؛ وكانَ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يحج قبل الهجرة كل


(١) أخرجه البيهقي في" الكبرى" (٨٦٠٧).
(٢) أخرجه ابن الجوزي في" الموضوعات" (٢/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>