مسألة: قال الشافعي ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر الخبر الفصل. وهذا كما قال: المساقاة عقد صحيح وهو أن يكون للرجل نخيل فيدفعها إلى رجل على أن يسقيها ويلحقها ويصرف جريدها مدةً معلومةً ويكون ما يخرج من الثمرة بينهما على ما يتشارطان والمساقاة مشتقة من السقي فكأن العقد لما كان واقعًا على السقي سمي [١٣٨/ أ] باسمه، فإن قيل: لم خصَّ باسم السقي وه يقع على غير السقي من التلقيح وغيره قلنا: لأن هذه العبارة أخف من أن يقال: ملاقحة أو مساعفة أو مجاردة ونحو ذلك ولأن المقصود ليبقى والباقي تابع له بساقٍ وقيل: لأن موضع النخل والشجر يسمى سقيًا والأصل في جوازها ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر وأجلى أهلها أتوه وقالوا: نحن أعلم بأمر النخيل منكم فأعطونا نكفيكم فساقاهم على ذلك وقال: "أقركم ما أقركم الله على التمر بيننا نصفين" وإنما قال هذا لأنهم لا يرون الفسخ فخاف أن يظنوا أنه أمر لازم لا يجوز رده فشرط ذلك عليهم ولا يجوز لأحدنا هذا الشرط لأنا لا ندري كم يقرهم الله تعالى وجاز ذلك لرسول الله إذ كان يوحى إليه بأمر الله تعالى فيهم، ثم بعث عبد الله بن رواحة ليخرص عليهم فاستقبلوه بحليّ نسائهم رشوةً له ليخفف لهم في الخرص فقال: هذا سحت في ديني فأرادوا أن يستدرجوه بالكلام فقالوا: أنت أحب من تقدم علينا من هذه الجهة أنت ابن أختنا وكانت أمه خيبرية فقال عبد الله: أما أنا فقد قدمت من عند رجل هو أحب إلى من نفسي التي بين جنبّي، وقدمت على قومٍ أبغض إلى من القردة والخنازير، فقالوا: إذًا لا يمكنك أن تعدل بيننا فقال: حبي إياه لا يحملني على الميل إليه، وبغضي إياكم لا يحملني على الحيف بكم ثم خرص عليهم مائة ألف وسقٍ فقالوا: أجحفت بنا فقال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي يعني إن شئت خليت بينكم وبينها وتردون عليّ النصف بهذا الخرص، وإن شئتم خليتم بيني وبينها وأرد عليكم النصف فقالوا: هذا هو العدل وبه قامت السموات والأرض فأخذوا ذلك وضمنوا له التمر بخرصه فروي أنه لم ينقص علما قال بعشرة أوسقٍ، وروى جابرٌ:"خرصها أربعين ألف وسقٍ"، وروى ابن عمر رضي الله [١٣٨/ ب] عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمرٍ وزرعٍ.
واعلم أنه لابد فيها من شرطين أحدهما: أن تكون مدتها معلومة، والثاني: أن