وجملته أن المعتدةً ليس لها أن تخرج من الموضع الذي تعتد فيه ليلًا ونهارًا من غير حاجةً للآيةً التي ذكرناها، فإن اضطرت إلى الخروج فلها الخروج على ما ذكرنا. وإذا احتاجت إلى الخروج من غير ضرورةً كشراء القطن أو بيع الغزل ونحو ذلك لا يجوز لها الخروج ليلا؛ لأن الليل وقت الخلوةً فيخاف فيه الفساد. ولا فرق بين أن تكون مطلقةً أو متوفى عنها زوجها، والدليل عليه ما روى مجاهد أن ناسًا استشهدوا بأحدٍ فأيم نساءهم، فجئن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلن: إنا نستوحش بالليل في بيوتنا أفنيت عند إحدانا حتى إذا أصبحتا بادرنا إلى بيوتنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((بل اجتمعن وتحدثن ما بدا لكن، حتى إذا أردتن النوم فلتأوي كل واحدة إلى بيتها)).
وأما الخروج نهارًا، فإن كانت متوفى عنها كانت لها ذلك بلا خلاف على المذهب وإذا كانت مطلقةً فهل لها أن تخرج؟ قولان:
قال في ((القديم)): ليس لها ذلك لظاهر الآيةً، وهي قوله تعالى:(لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ)[الطلاق:١]، وبه قال أبو حنيفةً؛ لأن عنده عليه كفايتها.
وقال في ((الجديد)): لها ذلك ويستحب أن لا تخرج وهو الأصح، لما روي عن جابر - رضي الله عنه - أنه قال: طلقت خالتي ثلاثًا فخرجت تجد نخلًا لها، فلقيها رجل فنهاها، فآتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ((اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرًا)). وإنما قال ذلك لأن النخل لا يجد في غالب العرف إلا نهارًا، ونخل الأنصار قريبًا من دورهم (ق ١٠٤ أ) حتى إذا خرجت بكرة للجداد أمكنها أن تمسي في بيتها، ولأن عدةَ المتوفى عنها أغلظ، فإذا جاز لها الخروج فالمطلقةً أولى، وهذا إذا كانت بائنةً، فإن كانت رجعيةً فليس لها أن تخرج إلا بإذن زوجها لحاجةً لها ليلًا أو نهارًا؛ لأنها زوجته كغير المطلقةً.
[باب الإحداد]
مسألة:
قال:((ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) وكانت هي المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها معا في عدة وكانتا غير ذواتي زوجين أشبه أن يكون على