قال: قال الله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}[يوسف: ٧٢]، وهذا كما قال: لا خلاف بين المسلمين في جواز الضمان، وإنما أورد المزني رحمه الله الأدلة ليبين أنه أمر معهود قديم لا ليستدل بها على مخالف. والأصل في جوازه ما ذكر من الأدلة، أحدهما: قوله تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}[يوسف: ٧٢]، فأخبر عن الضمان في شرع من قبلنا ولم يعقبه بنكير، فدل على جوازه.
فإن قال قائل: الحمل مجهول فكيف صح ضمانه؟ قلنا: لعله كان معلومًا عندهم، كان لو قر مقوم المقدار عند أهل البلد إذا أطلق.
وكذلك الوسق معلوم حتى علق النبي صلى الله عليه وسلم به حكم العشر.
فإن قيل: كيف يصح أن يضمن للسارق شيئًا على رد ما سرق؟ قيل: لم يضمن الضامن للسارق شيئًا، وإنما ضمن للمسترجع من السارق. ومثل هذا الضمان جائز، فإن قيل هذا [١٨ ب/ ٨] المنادي ملتزم بقوله: وفيه جاء به حمل بعير، فما معنى قوله: وأنا به زعيم.
قيل: لعله أخبر عن الملك بالالتزام وعلى نفسه الضمان، وذلك أن يوسف صلى الله عليه أمر أن يجعل الصاع في رحل ابن يامين ثم بعث في أثرهم من قال: إنكم لسارقون صاع الملك، وكان قصده أن يمسك ابن يامين عنده، فإنه كان في شريعة يعقوب صلى الله عليه إن من سرق استبعده المسروق منه بسنة. والصحيح أن المزني جعل لفظ الزعامة حجةٌ، لأن ضمان الجعل قبل استقرار وجوبه. والزعيم الضمين وفيه لغات ضمين وزعيمٌ وحميل وكفيل وقبيل وصبير. واحتج أيضًا بقوله تعالى:{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}[القلم: ٤٠]، أي: ما يقول الكفار إنا نجعل المسلمين كالمجرمين وبما ذكر من بعده. وتعلقه من هذه الآية بلفظ الزعيم، إذ ليس فيها حكم الضمان. واحتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الزعيم غارم"، وتمام الخبر ما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: "العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم- يعني الكفيل- غارم" يعني الكفيل.