واحتج بما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما وضعت قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم درهمان، قال: صلوا على صاحبكم، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا رسول الله لهما عليَّ وأنا لهما ضامن فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل على علي رضي الله فقال: "جزاك الله عن الإسلام خيرًا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك"، فدل على أن الدين يلزم بالضمان.
وروى جابر بن عبد الله: أنّ جنازة وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: " على صاحبكم من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه. ثم وضعت جنازة أخرى فقال:"هل على صاحبكم من دين؟ " قالوا: نعم ديناران، فقال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة رضي الله عنه: هما عليَّ يا رسول الله وأنا لهما ضامن [١٩/ أ]، فصل النبي صلى الله عليه وسلم عليه". قال أبو قتادة رضي الله عنه: فلقيني رسول الله بعد ثلاثٍ فقال: "ما فعلت في دين أخيك؟ فقلت: الآن قضيته، فقال: الآن بردت جلده عن النار".
ثم قال جابر رضي الله عنه: هذا نسخ حين كثرت الأموال، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم يومًا خطيبًا فقال: "من خلَّف مالًا أو حقًا فلورثته، ومن خلَّف دينًا أو كلًا فكله إليَّ ودينه عليَّ، فقيل: يا رسول الله عليه وعلى كل إمام بعدك؟ فقال: وعلى كل إمام بعدي". وروي أنه قال: "من ترك دينًا فعليَّ قضاءه". فقيل: معناه إذا لم يكن له مال فعليَّ قضائه من مال الصدقات من سهم الغارمين. وقيل: معناه من ترك دينًا له ومال فعليَّ اقتضاء الدين له، واستخراجه ممن هو عليه حتى يصير مع ماله الذي تركه إلى ورثته. ثم قال المزني رحمة الله عليه: روى الشافعي رحمة الله عليه في قسم الصدقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة"، ذكر منها رجلًا تحمل بحمالة فحلت له الصدقة.
قال المزني: فكانت الصدقة محرمًة عليه قبل الحمالة فلما تحمل لزمه الغرم بالحمالة، فخرج من معناه الأول أن حلت له الصدقة، وهذا الدليل الذي ذكره دليل واضح على صحة الضمان. ولكن المزني أخل بالنقل، لأن الشافعي ما روى الحديث هكذا، بل روي ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسٍة، لغاز في سبيل الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار