يجز. وإن ابتاعه بخيار الرؤية، كان على قولين، وإن كان ذاكراً لأوصاف المبيع، لم تخل حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون مما لا يتغير في العادة، كالحديد، والنحاس، فبيعه جائز، فإن رأى فيه بعد العقد عيباً، فله الخيار.
الثاني: أن يكون مما يتغير فلا يبقى مع طول المدة، كالفواكه الرطبة، والطبائخ. فينظر في حاله حين العقد فإن كان قد مضى عليه المدة لا يبقى فيها كان بيعه باطلاً وإن كان قد مضى عليه من المدة ما يعلم بقاؤه فيها فبيعه جائز.
وإن كان قد مضى من المدة ما يجوز أن يبقى فيها ويجوز أن يتلف، فبيعه باطل؛ لأنه عقد على عين لا يعلم بقاؤها. وفيه وجه آخر: أن بيعه جائز، لأن الأصل بقاء العين ما لم يعلم تلفها.
الثالث: أن يكون مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير كالحيوان، ففيه قولان:
أحدهما: يجوز بيعه بالرؤية المتقدمة، وقد نص عليه في البيوع، لأن الأصل سلامته وبقاؤه على حاله، وبه قال أكثر أصحابنا.
والقول الثاني: أن بيعه لا يجوز، وقد أشار إليه الشافعي في كتاب الغصب واختاره المزني؛ لأنه متردد بين سلامة وعطب. والقول الأول أصح، وعليه يكون التفريع، فإذا تبايعا بالرؤية المتقدمة، ثم رآه المشتري بعد البيع على ما كان رآه من قبل، فلا خيار له، وإن رآه متغيراً، فله الخيار.
فلو اختلفا، فقال المشتري: وجدته متغيراً، وقال البائع: بل هو على ما كان عليه من قبل. قال الشافعي في كتاب الصرف: القول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه يريد انتزاع الثمن من يده، فلا ينتزع منه إلا بقوله. والله أعلم بالصواب.
[باب خيار المتبايعين ما لم يتفرقا]
مسألة: قال الشافعي رحمه الله تعالى: "أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار". قال الشافعي: وفي حديث آخر إن ابن عمر كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى قليلاً ثم رجع وفي تحديث أبي الوضيء قال: كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرساً من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة فقال أبو برزة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا". قال: وفي الحديث ما لم يحضر يحيى بن حسان حفظاً وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه، فقال: لا أراكما تفرقتما وجعل لهما الخيار إذ بقيا في مكان واحد بعد البيع. وقال عطاء: يخير بعد وجوب البيع. وقال شريح: شاهدا عدل أنكما تفرقتما بعد رضا ببيع أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع. قال الشافعي: وبهذا نأخذ وهو قول الأكثر من أهل الحجاز