للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصفة. فأما قوله: مؤجلاً: يعني به تأجيل تسليم المبيع، كقوله بعتك داراً بالبصرة، أو بغداد، على أن أسلمها إليك بعد شهر، فهذا باطل، لأنه عقد على عين بشرط تأخير القبض، وذلك غير جائز. فإن قيل: فقبض الغائب لا بد أن يكون مؤخراً. قيل: هو مؤخر بغير أجل محدود، فجاز، وليس كذلك مع الشرط؛ لأنه قد يقدر على التسليم قبل الأجل، فيؤخره لأجل الشرط، وقد لا يقدر عليه عند الأجل، فيلزم تسليم ما لا يقدر عليه بالشرط.

وأما قوله: ولا بصفة. فقد اختلف أصحابنا في تأويلها على وجهين:

أحدهما: وهو تأويل البصريين: أن يصف العين الغائبة بجميع صفاتها، فلا يجوز، لأنها تصير على قولهم في معنى السلم في الأعيان.

والثاني: تأويل البغداديين: أن يجعل بيع العين الغائبة مضموناً في ذمته، فلا يجوز كالعلم في الأعيان.

قال الشافعي: ويجوز بيع العين الغائبة بثمن حال ومؤجل؛ لأن بيوع الأعيان يصح تأجيل الثمن فيها، سواء كانت العين حاضرة أو غائبة، لأنه بيع عين بدين، وليس كالسلم المضمون في الذمم، فلا يصح بيعه بمؤجل؛ لأنه يصير في معنى بيع الدين بالدين. فهذا جملة الكلام في بيع خيار الرؤية وما يتفرع عليه ويتصل به.

فصل

فأما بيع العين الغائبة مع تقدم الرؤية، وهو أن يكون البائع والمشتري قد شاهدا السلعة ثم غابا عنها، وعقدا البيع عليها. فلا يخلو حال الرؤية من أحد أمرين: إما أن تكون قريبة المدة، أو بعيدتها. فإن كانت المدة قريبة وليس لها حد مقدر فمذهب الشافعي وجمهور أصحابه أن البيع جائز.

وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابه: البيع باطل، حتى تكون الرؤية مقارنة للعقد. وقال أبو سعيد الاصطخري: قلت لمن يناظر عن الأنماطي: ما يقول صاحبك في الدار إذا رآها المشتري، وخرج إلى الباب، واشتراها؟ قال: لا يجوز. قلت: فإن رأى خاتماً وأخذه في كفه ثم اشتراه؟ قال: لا يجوز قلت: فإن رأى أرضاً وخرج منها إلى جانبها ثم اشتراها؟ قال: فتوقف، لأنه لو قال: يجوز لناقض مذهبه، ولو قال: لا يجوز، لما أمكن ابتياع الأرض. فهذا قول الأنماطي، وقل من تابعه على ذلك من الفقهاء.

واستدل على ذلك: بأن الرؤية لما كانت شرطاً في بيوع الأعيان، وجب أن تقترن بالعقد، كالصفة في بيع السلم.

وهذا المذهب شاذ الاعتقاد واضح الفساد؛ لأن الرؤية إنما أريدت ليصير المبيع معلوماً، ولا يكون مجهولاً، وهذا المعنى موجود في الرؤية المتقدمة على العقد، كوجوده في الرؤية المقترنة بالعقد، وليس كذلك الصفة. فهذا حكم الرؤية المتقدمة إذا كانت المدة قريبة.

فأما إذا كانت مدة الرؤية بعيدة، فلا يخلو حال المشتري من أحد أمرين: إما أن يكون ذاكراً لأوصاف المبيع أو غير ذاكر: فإن كان غير ذاكر لأوصاف المبيع لبعد العهد وطول المدة، فهذا في حكم من لم يره، فإن ابتاعه على غير خيار الرؤية، لم

<<  <  ج: ص:  >  >>