للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فأما بيع العين الغائبة بغير شرط خيار الرؤية فباطل لا يختلف فيه المذهب، لأنه بيع ناجز على عين غائبة، وهو أصل الغرر.

وأما بيع العين الحاضرة على شرط خيار الرؤية، كثوب في سفط، أو مطوي، يبيعه موصوفاً من غير رؤية، بشرط خيار الرؤية. فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:

أحدهما: أنه كبيع العين الغائبة على قولين؛ لأن الحاضر يساوي الغائب في العلم به إذا وصف، ويزيد عليه في زوال الغرر بتعجيل القبض.

الثاني: أنه لا يجوز قولاً واحداً، بخلاف العين الغائبة، وهو قول أكثر أصحابنا، واليه أشار أبو إسحاق المروزي، وابن أبي هريرة، لأن الحاضر مقدور على رؤيته، فارتفعت الضرورة في جواز بيعه على خيار الرؤية، والغائب لما لم يقدر على رؤيته دعت الضرورة إلى جواز بيعه على خيار الرؤية.

فأما بيع السلجم، والجزر، والبصل، والفجل، في الأرض قبل قلعه على شرط خيار الرؤية. فقد كان بعض أصحابنا يخرج جواز بيعه على قولين كالعين الغائبة. وقال سائر أصحابنا: إن بيع ذلك باطل قولاً واحداً. والفرق بين هذا وبين العين الغائبة من وجهين:

أحدهما: أن وصف الغائب ممكن؛ لتقدم الرؤية له، ووصف هذا في الأرض قبل قلعه غير ممكن.

والثاني: أن المشتري إذا فسخ بيع الغائب، أمكن رده إلى حاله، وإذا فسخ بيع هذا المقلوع من الأرض، لم يمكن رده إلى حاله. فأما بيع التمر المكنون في قواصره وجلاله: فقد كان بعض أصحابنا يخرج بيعه على قولين كالغائب.

وقال سائر أصحابنا البصريين: يجوز بيعه في قواصره، قولاً واحداً إذا شاهد رأس كل قوصرة؛ لأن في كسر كل قوصرة لمشاهدة ما فيها مشقة وفساداً، وقد أجمع عليه علماء الأعصار بالبصرة. وأما ما سوى التمر من الأمتعة التي في أوعيتها، فلا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن يكون ذائباً، أو غير ذائب. فإن كان ذائباً كالزيت والعسل، فإذا شاهد يسيراً مما في الوعاء أجزأه عن مشاهدة جميعه وجاز بيعه قولاً واحداً، كالصبرة من الطعام.

وإن كان غير ذائب فعلى ضربين:

أحدهما: أن يكون مما تتفاوت أجزاؤه، ويباين بعضه بعضاً، كالثياب، فلا يجوز بيعها إلا بشاهدة جميعها، إلا أن يبيعها من غير مشاهدة بشرط خيار الرؤية، فيكون في حكم بيع العين الغائبة أو الحاضرة على خيار الرؤية.

والثاني: إن كان مما تتماثل أجزاؤه في الغالب، أو تتقارب كالدقيق والقطن.

فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال بعضهم: لا يصح بيعه إلا برؤية جميعه كالثياب. وقال آخرون: يجوز بيعه برؤية بعضه كالذائب.

فصل

قال الشافعي رحمه الله في كتاب "الصرف": ولا يجوز بيع خيار الرؤية مؤجلاً ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>