والوجه الثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: أن العقد قد تم قبل الرؤية بالبذل والقبول، وإنما فيه خيار المجلس ما لم يتفرقا، كسائر البيوع. فعلى هذا لو مات أحدهما لم يبطل العقد، وقام وارثه مقامه وكذلك لو جن أحدهما، أو حجر عليه بسفه، لم يبطل العقد وقام وليه مقامه. وعلى هذا ليس لواحد منهما بعد الافتراق وقبل الرؤية أن يفسخ العقد.
فصل
فإذا رأى المشتري السلعة المبيعة، فهل يثبت له خيار المجلس أو خيار العيب؟ على وجهين:
أحدهما: يثبت له خيار المجلس- وهو قول أبي إسحاق- لأن عنده بالرؤية تم العقد. فعلى هذا له الخيار في الفسخ على التراخي، ما لم يفارق مجلسه، سواء وجد السلعة ناقصة عما وصفت أم لا. وله أن يشترط في المجلس خيار الثلاث، وتأجيل الثمن، والزيادة فيه، والنقصان منه.
والوجه الثاني: يثبت له بالرؤية خيار العيب- وهو قول أبي علي بن أبي هريرة- لأن عنده أن بالبذل والقبول، قد تم العقد. فعلى هذا إن وجدها على ما وصفت لم يكن له خيار، وإن وجدها ناقصة، كان له الخيار في الفسخ على الفور.
ولا يجوز أن يشترط بعد الرؤية خيار الثلاث، ولا تأجيل الثمن، ولا الزيادة فيه والنقصان منه.
فصل
فأما خيار البائع، فلا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يكون بيعه عن رؤية، أو عن صفة: فإن كان بيعه عن رؤية، فهل له الخيار أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: له الخيار- وهو قول أبي إسحاق. لأن عنده أن بالرؤية يثبت خيار المجلس.
الثاني: لا خيار له- وهو قول أبي علي بن أبي هريرة- لأنه يقول: إن العقد قد تم، وبالرؤية يثبت خيار العيب. وإن كان بيعه عن صفة، وجوزناه على أحد الوجهين، فلا يخلو حاله عند رؤية المبيع من أحد أمرين: إما أن يجده زائداً على ما وصف له، أو غير زائد. فإن وجده زائداً عما وصف له، فله الخيار في الفسخ، لا يختلف كالمشتري إذا رآه ناقصاً. وهل يكون خياره على الفور أو على التراخي؟ على وجهين:
أحدهما: على التراخي ما لم يفارق مجلسه، وهو قول أبي إسحاق.
والثاني: على الفور، وهو قول أبي علي. فإن لم يجده زائداً، فهل له بالخيار أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق: له الخيار؛ لأن عنده أن العقد يتم بالرؤية، ويثبت بعدها خيار المجلس.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: لا خيار له، لأن عنده أن العقد قد تم بالبذل والقبول، ويثبت بالرؤية خيار العيب. فهذا الكلام في بيع العين الغائبة على خيار الرؤية وما يتعلق عليه من أحكام.