[باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز ومن يشهد بعد رد شهادته.]
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه:"ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلًا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصيٍة ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئًا من الطاعة والمروءة فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته".
قال في الحاوي: وإنما فصل المزني الشهادات كتابين، أولًا وثانيًا، لأن الأول متصل بالحكم، فأضافه إلي أدب القاضي.
والثاني: في صفة الشاهد في القبول والرد أفرده عن الأول.
والمقبول الشهادة، وهو العدل، والمردود الشهادة هو الفاسق فأما قبول شهادة من العدل، فلقوله تعالى {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق: ٢]. وقوله:{مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ}[البقرة: ٢٨٢] والرضا متوجه إلي العدل منتصف عن الفاسق. وأما التوقف عن شهادة الفاسق فلقوله تعالى:{إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: ٦] والنبأ: الخبر. وكل شهادة خبر وإن لم يكن كل خبر شهادة.
ولقوله تعالى:{أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ}[السجدة: ١٨]. فالمنع من المساواة إذا أوجب قبول العدل أوجب رد الفاسق وقيل إن هاتين الآيتين في الفاسق نزلتا في الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وسبب نزول الآية الأولى فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذه إلي قبيلة مصدقًا فأخذ من صدقتها، وكان بينه وبين القوم إحن، فتوجه إليهم وعاد فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم منعوه الصدقة ولم يمنعوه، فهو بغزوهم حتى أنزل الله تعالى فيه {إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: ٦] فكفى عنهم وعلى بحالهم.
وأما الآية الثانية فبسبب نزلها: أنه استطال على علي بن أبي طالب عليه السلام