أعلم أن الرهن في اللغة دوام مال من عليه الحق ويبقيه بما عليه من الحق وهو مشتق من الثبوت والدوام تقول العرب: رهن الشيء إذا ثبت والنعمة الرهنة هي الثابتة الدائمة. ويقال: رهن رهناً ورهنت الشيء فهو مرهون ولا يقال: أرهنت إلا في شاذ اللغة. ولا يجوز أن يقال: أرهنته بمعنى ارتهنته، ولا يقال: أرهن إذا غل في السلعة، وأرهن ابنه إذا جعله رهينة وخاطر به.
وقال ابن فارس: أهل الرهن حبس الثمن على حق، يقال: فلان رهن بكذا. قال الله سبحانه وتعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر: ٣٨] أي محبوس حتى يخرج من حقوق الله تعالى، ويجمع الرهن على رهون ورهان [ق ١٥٩ أ] والأصل في جواز الرهن الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى:{إذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: ٢٨٢] فأمر بالكتابة في الدين، ثم قال:{وأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة: ٢٨٢] فأمر بالإشهاد، ثم قال:{وإن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ ولَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ}[البقرة: ٢٨٣] فأمر بالرهن في الدين وأخيراً من صفته أن يكون مقبوضاً. وقيل: معناه فارهنوا كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢] أي فحرروا، وقرئ هذا بقرائتين فرهن، فرهان، والرهان جمع وقوله رُهُن جمع الجمع.
وقال الزجاج: يحتمل أن يكون ذلك جمع رهان أيضاً كما يقال: سقف وسقف وقيل: قوله: "فرهان" مستعمل في السبق والنضال، وفي قوله:"فرهن" مستعمل في المعاملات. والرهينة ليست من هذين بل هي مستعملة في أرهان النفوس.
وأما السنة فروى جعفر بن محمد عن أبيه النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي. وهذا مرسل رواه الشافعي - رحمه الله -.
وروى مسنداً عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي وأخذ منه شعيراً لأهله، وقيل: عدل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا عن أصحابه إلى اليهودي خوفاً أن يحابوه، واختلفوا هل مات قبل فكاكه أم لا؟ [ق ١٥٩ ب] قيل: مات