أحدهما: أن يرسل هذا القول من غير نية في عزل واحدة منهن، فيطلقن جميعاً، السائلة وغيرها، وقال مالك: لا تطلق السائلة وتطلق من سواها، استدلالاً بأنها توجهه بالخطاب، ولو أرادها لقابلها بالمواجهة فلما عدل إلى خطاب غائب خرجت من جملتهن. وهذا خطأ من وجهين:
أحدهما: أنه لما كان لو قال مبتدئاً: كل نسائي طوالق، طلقت هذه الحاضرة، وإن لم تكن سائلة في الطلاق لعمومها، لدخولها في عموم اللفظ دون سببه، فلذلك قلنا: إنهن يطلقن جميعاً فقد صار مالك في هذا الموضع تاركاً لمذهبه ومذهبنا. فأما استدلاله، بأن عدوله عن المواجهة يخرجها من الخطاب، فتفسد به إذا قال مبتدئاً، لأنها تدخل في الطلاق ولو لم يتناولها الخطاب لم تطلق.
فصل
والضرب الثاني: أن تكون له نية في عزل واحدة منهن فلا تطلق المعزولة منهن سواء كانت السائلة أو غيرها، ويطلق من سواها.
وقال أبو حنيفة: تطلق المعزولة منهن سواء في العموم كدخولها في التعيين وهذا فاسد، لأن اللفظ يصلح لجماعتهن من غير استثناء واحدة منهن كما يصح استثناء واحدة منهن، وإذا صلح لكلا الأمرين جاز أن يصرفه إلى أيهما شاء كالعموم، وفي هذا الوجه خالف التعيين، فإذا ثبت أن طلاق المعزولة لا يقع فالظاهر من كلام الشافعي أنه لا يقع ظاهراً ولا باطناً، فإن اتهمته المعزولة أحلفته وقال أصحابنا: لا تطلق في الباطن، وفيما بينه وبين الله تعالى، ويطلق في ظاهر الحكم، لأن إطلاق القول يخالف تقييد النية، فدين فيه ولم يقبل في الحكم، والله أعلم بالصواب.
قال الماوردي: أما الطلاق فلا يقع إلا بالكلام وما قام مقامه عند العجز عن الكلام. ولا يقع بمجرد النية من غير كلام، فلو نوى طلاق امرأته لم تطلق. وقال ابن سيرين ومالك في إحدى رواياته تطلق بمجرد النية حتى لو نوى طلاق امرأته طلقت، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وَإِنَّمَا لِكُلَّ امْرِئ مَا نَوَى" قال: ولأنه لما وقعت الفرقة بينة الردة، جاز أن تقع الطلاق ودليلنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إِنَّ اللهَ تعالى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتُ بِه بنية أَنْفُسهَا".