قد بيَّنا أنه لا يجوز للمعتد أن تنكح إلا بعدة انقضاء العدة لقوله تعالي:{ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ}[البَقَرةَ: ٢٣٥] والنهي يدل علي الفساد، فإن نكحت بطل النكاح، ولا يتعلق بهذا العقد شيء من أحكام النكاح بحالٍ، فإن كانا عالمين بالتحريم عزرا لأجل النكاح، ولكن لأنهما ارتكبا أمراً محظوراً وإن أحدهما عالماً ولآخر جاهلاً عزر الجاهل وعزر العالم.
وحكي عن مالك أنه قال: إذا انقضت العدة لا تجوز لمن تزوجها في العدة فلاق بينهما أن يتزوجها ثانياً وهي محرمة عليه ما لم تنكح غيره، وهذا مذهب غريب وعندنا لا تنقطع عدتها بنفس النكاح بحالٍ. نص عليه الشافعي في موضعين.
وقال أبو بكر القفال ألشاشي: تنقطع عدتها بنفس النكاح وتصير به فراشاً للثاني أيضاً، حتى لو أتت بولدٍ لستة أشهر فصاعداً من وقت عقد النكاح فهو كما لو أتت به لستة أشهر من وقت العقد الصحيح، فجعلها بالعقد الفاسد فراشاً كما بالعقد الصحيح. واحتج بأن، العقد الفاسد يسلك به (ق ١١١ أ) مسلك الصحيح، وخالفه سائر أصحابنا، وقالوا: هذا وجه لا يحكي ولا وجه له لأنه فاسد فيلغي ولا حكم. فإن قيل: أليس قلتم لو راجع زوجته في العدة انقطعت العدة فقولوا: إذا نكحت انقطعت العدة. قيل: الفرق أن الرجعة صحيحة مبيحة فتصير به فراشاً وتنقطع بخلاف هذا العقد.
فإن قيل: أليس الرجعية إذا تزوج في عدتها انقطعت نفقتها وسكناها بهذا النكاح، فهلا قلتم تنقطع عدتها به أيضاً، قيل: الفرق أنها إذا تزوجت فقد نشرت والنشوز يقطع النفقة والسكني كما في حالة النكاح، بخلاف العدة فإنها لا تنقطع بالنشوز بدليل أ، ها لو تركت الإحداد والسكون في البيت لا تنقطع العدة فلهذا لا تنقطع بنفس النكاح ما لم يوجد حقيقة الوطء.
فإن قيل: لو خالعها، ثم تزوج بها في عدتها، تنقطع العدة بنفس النكاحٍ فكذلك ههنا. قلنا: سَلمهُ أكثر أصحابنا، والفرق صحيح فتصير المرأة فراشاً تنقطع العدة بخلاف هذا العقد.