واختلفوا في حجبه لأمه فمذهب الشافعي إلى أن الجدة أم الأب تسقط بالأب كالجد، وبه قال من الصحابة عثمان وعلين والزبير وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت رضوان الله عليهم ومن التابعين سعيد بن المسيب وابن سيرين ومن الفقهاء: مالك والثوري والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة: الجدة أم الأب ترث مع الأب كما ترث مع أم الأم وبه قال من الصحابة: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعمران بن الحسين وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم، ومن التابعين: الحسن البصري وشريح وعروة بن الزبير ومن الفقهاء: عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنيل وإسحاق بن راهويه وأهل البصرة استدلالًا بما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال في الجدة مع ابنها أنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسًا وابنها حي. وروي الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ورث الجدة مع ابنها. وروي أنه ورث الجدة مع ابنها ولأنه ضعف الأب عن حجب أم الأم وهي بإزائها ضعف أيضًا عن حجبها، ولأن الجدة، وإن أدلت بالأب فهي غير مضرة به، لأنها تشارك أم الأم في فرضها فجرى مجرى الإخوة للأم لما لم يضروا بالأم لم يسقطوا مع الأم.
ودليلنا هو أن كل من أدلى إلى الميت بأب وارث سقط به كالجد والإخوة ولأن الإدلاء إلى الميت بمن يستحق جميع الميراث يمنع من مشاركته في الميراث كولد الابن مع الابن وولد الإخوة مع الإخوة، ولأنها جدة تدلي بولدها فلم يجز أن تشارك ولدها في الميراث كالجدة أم الأم مع الأم، وأما المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ورث الجدة وابنها حي فضعيف، لأن صحته تمنع من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيه، ثم لو سلم لكان عليه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه محمول على توريث الجدة أم الأم مع ابنها الذي هو الخال.
والثاني: أنه محمول على توريث أم الأب مع ابنها وهو العم.
والثالث: أنه يجوز أن يكون مع الأب إذا كان كافرًا أو قاتلًا ويستفاد بذلك أن لا يسقط ميراثًا بسقوط من أدلت به.
فأما أم الأم فإنما لم يحجبها الأب لإدلائها بغيره وليس كذلك أمه لإدلائها به وأما عدم إضرارها بالأب فقد تضر به، لأنها تأخذ فرضها من مال كان يستوعبه بالتعصيب، ثم لو لم تضر لجاز أن يسقطها كما يسقط الإخوة للأم وإن لم يضروه والله أعلم.