مضيق" أي: يحضر الماشية [٧٤ ب/٤] إلى حظيرة يجمعها ويحيط بما يخرج منها واحدة واحدة بأن يجعل لتلك الحظيرة منفذًا واحدًا لا يسع لخروج واحدة ليكون أسهل في العد, فيعدها كذلك حتى يأتي على عدتها, أي: حتى يعدها كلها, وقيل: يستحب أن يكون في يد الساعي, وفي يد رب المال أو نائبه وهما على باب المضيق, قضيب أو خشبة معترضة يسيران بها إلى كل واحدة تخرج ويجعل في ذلك المنفذ خشبة معترضة يثب فوقها كل واحدة تريد أن تخرج ليكون ذلك أسهل في العدد, وأبعد من الغلط, ويجوز أن يضطر الغنم إلى جدار أو جبل أو شيء قائم حتى يضيق الطريق فيخرج ثنيتين ثنيتين, وإن ادعى رب الماشية أنه أخطأ عليه أعيد عليه العدد, وكذلك إذا ظن الساعي أن عاده أخطأ العدد, وهكذا إذا كان اختلافهما مؤثرًا مثل أن يقول إحداهما مائة وعشرون, وقال الآخر: لا بل زيادة على ذلك بواحدة, فأما إذا لم يكن مؤثرًا بأن لا يكون هناك تكميل نصاب فلا معنى له ..
[باب تعجيل الصدقة]
قال الشافعي (١):أخبرنا مالِكٌ عن زيدٍ بن أسلَمَ .... الخبر [٧٥/أ ٤].
وهذا كما قال: كل زكاة تجب بحول ونصاب وهي زكاة الإيمان والتجارات والمواشي يجوز تقديمها بعد وجود النصاب قبل الحول وبه قال: كأنه أنفقها, وهكذا يجوز عندنا تقديم الكفارة بالمال على الحنث قياسًا على الزكاة, وقال ربيعة وداود وأبو عبيد بن حربويه: لا يجوز كلاهما, وقال مالك: يجوز تقديم الكفارة دون الزكاة, وروي عن مالك أنه قال: يجوز تعجيلها في قرب الحول بيوم أو يومين واحتج الشافعي بما روى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم:"أستسلف" يعني: استقرض من رجل بكرًا وهو الفتى من الإبل فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضيه إياه قال والعلم يحيط أنه لا يقضي من إبل الصدقة فالصدقة لا تحل إلا وقد تسلف لأهلها ما يقضيه من مالهم يعني ما ثبت أن الصدقة لا تحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يظن به أنه يستقرض شيئًا لنفسه, ثم يقضي ذلك من مال الصدقة فثبت أنه إنما استقرض لأهل الصدقات ما يقضيه من مال الصدقات فإن قيل في الخبر: "أنه اقترض بكرًا فرد رباعيًا " وذلك زيادة لا تجوز من الصدقة قلنا: [٧٥ ب/٤] يجوز أن يكون النقص في الجودة فيقابله زيادة السن أو يجوز أن يكون الرجل ممن تحل له الصدقة فالزيادة صدقة عليه, أو يجوز أن يكون فعل ذلك ليرغب الرجل ممن تحل له الصدقة فالزيادة صدقة عليه, أو يجوز أن يكون فعل ذلك ليرغب الناس في قرض الفقراء, ويجوز للإمام أن يفعل هذا للمصلحة العامة, فإذا تقرر هذا فأعلم أن من أصحابنا من قال: ليس في هذا الخبر دليل على جواز تعجيل الصدقة ولا استدل به الشافعي كما أوهمه المزني, بل استدل به على جواز استقراض الحيوان خلافًا لأبي حنيفة فإنه لا يجوزه, وأما حجة تعجيل الزكاة فغير هذا, وقد ذكره بعد ذلك من جهة الأثر والنظر, أما الأثر فقد روى أن ابن عمر رضي الله عنه "كان يبعث
(١) انظر الأم (١/ ٢١١, ٢١٢).