قَالُ الشَّافِعِيِ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:" أَخَبِرَنَا إسماعيل بُنَّ إبراهيم عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بُنَّ صهيب عَنْ أَنَسَّ بُنُّ مَالِكَ أَنْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُضَحِّيَ بِكَبْشِينَ وَقَالَ أَنَسَّ: وَأَنَا أَضْحَى أيضا بِكَبْشِينَ وَقَالَ أَنَسَّ فِي غَيْرَ هَذَا الْحَديثِ ضُحًى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَبْشِينَ أَملحَيْنِ وَذِبْحَ أَبُو بُرْدَةَ بُنُّ نيار قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ الأضحى فَزَعْمَ أَنْ النَّبِيّ أَمرَّهُ أَنْ يُعَوِّدَ لِضُحًيَةٍ أخرى فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ لَا أَجِدَّ إلّا جَذَعَا فَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"إِنَّ لَمْ تَجِدْ إلّا جَذَعَا فَاِذْبَحْهُ " قَالُ الشَّافِعِيِ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَاِحْتَمَلَ أَمرَّهُ بالإعادة أَنَّهَا وَاجِبَةُ، وَاِحْتَمَلَ عَلَى مُعَنّى أَنَّه إِنَّ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَمَّا مَالَ عَلَيه السَّلاَمَ:" إذاً دَخَلَ الْعُشُرِ فَأَرَادَ أَحَدَّكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يُمِسُّ مِنْ شَعْرِهُ وَبِشْرَهُ شِيئَا " دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرَ وَاجِبَةُ وَبَلَّغَنَا أَنْ أَبَا بَكَرَ وَعَمَرَ - رضي الله عنهم - كَانَا لَا يَضْحَيَانِ كراهِيَّةً أَنْ يَرَى أَنَّهَا وَاجِبَةُ، وَعَنْ اِبْنَ عباسِ أَنَّه اِشْتَرَى بِدِرْهَمِينَ لَحُمَا فَمَالَ هَذِهِ أَضَحِيَّةَ اِبْنِ عباسِ".
قال في الحاوي: والأصل في الضحايا والهدايا قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}[الحج: ٣٦] الآية، إلى قوله {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَ}[الحج:٣٦]. أما البدن ففيها ثلاثة أقاويل:
احدها: أنها الإبل خامة، وهو قول الجمهور.
والثاني: أنها الإبل والبقر، وهو قول جابر وعطاء.
والثالث: أنها النعم كلها من الإبل والبقر والغنم وفي تسميتها بدناً تأويلان:
احدهما: لكبر أبدانها، وهو تأويل من جعلها الإبل والبقر.
والثاني: لأنها مبدنة بالسمن، وهو تأويل من جعلها جميع النعم، وفي قوله:{مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ}[الحج:٣٦] تأويلان:
أحدهما: من فروضه. وهو تأويل من أوجب الضحايا.
والثاني: من معالم دينه.
وهو تأويل من سن الضحايا، وفي قوله:{لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}[الحج: ٣٦] تأويلان:
أحدهما: أجر، قاله السدي.
والثاني: منفعة إن احتاج إلى ظهرها ركب وإن حلب لبنها شرب قاله النخعي. وفي قوله:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}[الحج: ٣٦] وهي قراءة الجمهور تأويلان: