اعلم أنه إذا سرق عينًا يجب فيها القطع فإن كانت باقيةً ردها [٨٥/أ] بلا خلاف، وإن كانت تالفةً رد قيمتها وبه قال الحسن والنخعي وحماد وعثمان البتي والزهري والأوزاعي والليث وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وداود وأبو ثور، وقال أبو حنيفة والثوري: لا يجمع بين القطع والغرم فإن طالب صاحبها بالغرم وغرم له سقط القطع ولو أتلفه بعد القطع لا غرم عليه أيضًا وروى الحسن بن زياد اللؤلؤي عنه: أنه لو أتلفها بعد القطع يغرم: وقال أبو يوسف ومحمد: لا يغرمها أصلًا، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: لو قطع السارق فأتلف أجير المسروق لم يضمن للسارق لأنه غير مالكٍ ولا للمالك لئلا يجتمع في حقه بين القطع والغرم، وقال أيضا: لو سرق حديدا فضربه كوزًا فقطع لا يلزمه رد الكوز لأنه صار كالعين الأخرى، وقال أيضا: لو كان ثوبًا فصبغه أسود فقطع يده لم يرده لأنه صار بالسواد كالمستهلك ولا يحل له التصرف فيهما قال: ولو صبغه أحمر أو أصفر فقطع لا يرد العين أيضًا. وقال أبو يوسف ومحمد: هنا يلزمه رد العين واحتج بأنه لو رد لكان شريكًا فيها بصبغه ولا يجوز القطع فيما هو شريكٌ فيه وهذا لا يصح لأن صبغه كان قبل القطع، فلو صار شريكًا بالصبغ لسقط القطع، وإن كان يصير شريكًا بالرد فالشركة الطارئة بعد القطع لا تؤثر كما لو باعه نصفه بعدما قطع صح وصار شريكًا فيه [٨٥/ب] واحتج في سقوط الغرم بعد القطع بما روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قطع السارق فلا غرم عليه" ودليلنا أن العين إذا كانت قائمة بعد القطع وجب ردها ومن وجب عليه رد العين وجب عليه رد القيمة إذا أتلفها كما قبل القطع رواه سعد بن إبراهيم عن المسور عن عبد الرحمن. قال ابن المنذر: سعد بن إبراهيم مجهول، والمسور عن عبد الرحمن مرسلٌ ويحمل على الغرم الثاني الذي كان من أول الإسلام ثم نسخ. وقال مالك: يقطع بكل حالٍ، وأما الغرم يلزمه إن كان غنيًا وإن كان فقيرًا لا يلزمه ودليلنا القياس على المغصوب لا فرق فيه بين الغني والفقير، وكذلك حكم قاطع الطريق وقد قال الشافعي: لا يسقط حد الله تعالى إذا غرم ما أتلف العباد.
فرع
إذا سرق فضةً فضربها دراهم أو ذهبًا فضربه دنانير يقطع ويرد إلى صاحبه وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يرد بناءً على أصلهما أنه يسقط حق صاحبها عنها. وقد دللنا على فساد هذا الأصل.