للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب صوم التمتع بالعمرة إلى الحج]

مسألة: قال (١): قال تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] فإذا أهل بالحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة صار متمتعًا.

أعلم أن التمتع جائز في قول الكافة إلا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: متمتعان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهي عنهما بل أعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج، والدليل [٤٤/ب] على جواز هذه الآية. وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من أراد أن يهل بالحج، فليفعل ومن أراد أن يهل بالعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بالحج والعمرة، فليفعل" (٢) والأخذ برواية الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من الأخذ بقول عمر رضي الله عنه. وتأول بعض الناس حديث عمر رضي الله عنه أنه أراد ما كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإحرام بالحج، ثم الفسخ بالعمرة، وهذا التأويل ليس بشيء لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يأتي أحدكم من أفق من الآفاق شعثًا نصبًا فيحرم بالعمرة، ثم يطوف، ويسعى ويحلل، فيذهب شعثه ونصبه، ثم لا يحج لا شعثًا ولا نصبًا، والحج أفضل من العمرة فعمر رضي الله عنه ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "الحاج أشعث أغبر" فاستحب أن يكون ذلك في الحج، فلا يصح هذا التأويل فيحتمل على أنه نهي عن ذلك تنزيهًا واستحبابًا، وهو مع هذا متروك على اجتهاده وحده.

فإذا تقرر هذا فالمتمتع يلزمه الدم لما ذكرنا من الآية وإنما يلزمه الدم بخمس شرائط:

أحدهما: أن يعتمر في أشهر الحج.

والثاني: أن يحج من سنته.

والثالثة: أن يقول: الإحرام بالحج من الميقات، فيحرم به من مكة، ولا يرجع إلى الميقات.

والرابعة: أن لا يكون من حاضر المسجد الحرام.

والخامسة: أن ينوي التمتع عند الإحرام بالعمرة ومروره على الميقات، وذكر أبو حامد شرطًا سادسًا، قال: قال الشافعي في "القديم": إذا مر على الميقات ولم يحرم [٤٥/أ] بالعمرة حتى صار بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة، فأحرم فإنه لا يجب عليه التمتع لأنه صار كأنها من حاضري المسجد الحرام، ولكنه يجب عليه الدم لتركه الإحرام بالعمرة من الميقات مع إرادتها، وهذا ضعيف. وذكر القفال شرطًا آخر، وهو أن يشترط أن يكون الحج والعمرة جميعًا من شخص واحد، فإن اعتمر عن غيره وحج عن نفسه، أو بالضد منه، فلا دم عليه قولًا واحدًا، واختيار الحضري.


(١) انظر الأم (٢/ ٥٦).
(٢) أخرجه مسلم (١١٤/ ١٢١١)، وأحمد (٦/ ٣٥٠)، والحميدي (٢٠٣)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٨٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>