وقيل: فيه قولان، هل هو شرط أم لا؟، وقال أبو حامد: نص الشافعي في أخريات المواقيت من "القديم" أنه يلزمه الدم سواء حج عن غيره، واعتمر عن نفسه، أو اعتمر عن غيره وحج عن نفسه. قال: وقال بعض الناس لا يلزمه الدم إذا فعل هكذا. واحتج الشافعي بأن فعله للحج والعمرة عن غيره بمنزلة فعل ذلك الغير عن نفسه، وصار فعله في حق نفسه كالمعدوم، فإذا اعتمر بعده من أدنى الحل، فهو مريد للإحرام بالعمرة، مر على الميقات، ولم يحرم، ثم أحرم فعليه دم، وكذلك على العكس، وهذا أصح. فإذا تقرر هذا، فأما الأول، فإنه أن أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها في غير أشهر الحج، ثم أحرم بالحج في أشهر الحج لم يكن مضيعاً، ولم يجب عليه الدم لأنه لم يأت بالعمرة في زمان الحج كالمفرد، فإنه لما أتى بالعمرة بعد أشهر الحج لم يجب عليه الدم بالإجماع. وأما إذا أحرم بالعمرة في رمضان، ثم أتى بأعمالها في شوال، فيه قولان: قال في "القديم" و"الإملاء": يجب عليه الدم، ويكون متمتعاً، ووجه أنه أتى بأفعال العمرة في [٤٥/ب] أشهر الحج، واستدامة الإحرام بها بمنزلة ابتدائه، فهو كما أحرم بها في أشهر الحج. وقال في "الأم": لا يجب عليه الدم. وبه قال أحمد أنه أتى بنسك لا يتم العمر إلا به في غير أشهر الحج، فلا يكون متمتعاً كما لو طاف، وهذا أصح لأنه لو حصل الاستدامة كالابتداء لوجب إذا أحرم بالحج قبل أشهره واستدامته يجوز، وقال أبو حنيفة: إذا أتى بأكثر أعمالها في أشهر الحج يكون متمتعاً، فقوله خارج عن قولنا وحكي عن مالك أنه قال: إذا لم يتحلل من إحرام العمرة حتى دخلت أشهر الحج صار متمتعا، وهذا غلط لأنه أتى بأفعال العمرة في غير أشهر الحج، فلا يجب الدم كما لو تحلل قبلها.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان: أنا إذا جعلناه متمتعاً إذا أتى الإحرام في رمضان لو أتى بأكثر الأعمال في رمضان، ولكن الفراغ منها كان في شوال، فيكون متمتعاً أيضاً حتى إذا قلنا: الخلاف من النسك، ولم يوجد ذلك إلا في شوال يكون متمتعاً، الاعتبار بالفراغ، وهذا غلط قبيح، وإنما هو قول مالك، والشافعي حين جوز الإحرام في رمضان على معنى أنه يستديم للإحرام إلى أشهر الحج، فيكون كابتدائة فيها، وفي الأعمال لا يمكن أن يقال مثله، فلا يصح هذا القول بحال.
وقال ابن سريج: أن أحرم بالعمرة ومر بالميقات بعدما دخل أشهر الحج كان متمتعاً، وأن مر به قبل ذلك لم يكن متمتعاً، لأن ما قبل أشهر الحج لا يقدر على الإحرام بالحج [٤٦/أ]، وفي أشهر الحج يقدر عليه، فإذا أخل به مع القدرة يلزمه دم، وهذا خلاف نص الشافعي. فإن قيل: أليس المتمتع إذا لم يطف طواف الزيارة إلا بعد أشهر الحج لم يبطل بذلك تمتعه لأنه أتى بأكثر أعمال الحج في أشهره؟ قلنا: فرق بين التقديم والتأخير، ألا ترى أن تقديم إحرام الحج على أشهره لا يجوز عندنا، ويكره عند أبي حنيفة، ولا يكره التأخير؟ فكذلك في حق المتمتع. وأما الشرط الثاني: لو لم يتوجه بأن أقام بمكة إلى العام الثاني، ولم يحج في ذلك السنة، أو رجع إلى بلده، ثم عاد إلى الحج في السنة الثانية، فلا
دم عليه لأنه أبعد حالاً من المفرد، لأن المفرد يأتي بالحق والعمرة في سنة واحدة، وهذا أتى بها في