للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنتين، ولأن الله تعالى قال: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]، وهذا يقتضي الموالاة بينهما. وقال بعض أصحابنا بخراسان: قال ابن خيران: ونص الشافعي عليه في رواية حرملة بشرط أن يكونا في شهر واحد، أما في شوال، وإما في ذي القعدة، وإما في ذي الحجة، فيعتمر في ذلك الشهر ويحرم بالحج فيه، وهذا قول لا يحكي ولين وليس بشيء.

وأما الشرط الثالث فلا خلاف فيه، فإن أحرم بالحج من جوف مكة ومضي إلى عرفات استقر عليه دم المتمتع، ولو عاد إلى الميقات، أو حرم بالحج منه لم يجب الدم، وإن أحرم بالحج من مكة، ثم عاد إلى الميقات محرماً، ثم مر بعرفات، فهل يسقط عنه دم التمتع؟ وجهان:

أحدهما: يسقط لأنه كان يلزمه للترفه بترك الإحرام من الميقات، والآن أتى بأكثر من ذلك، ولم يترفه بشيء [٤٦/ب].

والثاني: لا يسقط لأنه لزمه الدم بإحرام الحج من مكة، فلا يسقط بعده، وبهذا قال مالك. وقال أبو حنيفة: لا يسقط حتى يعود إلى بلده. وهذا غلط لأن بلده لا يجب عليه الإحرام منه ابتداء بالشرع، فلا يتعلق سقوط دم التمتع بالعود إليه كسائر البلاد. وقال القفال: وهكذا القارن إن دخل مكة، ثم خرج منها إلى عرفة، استقر عليه دم القران. ولو خرج إلى الميقات محرماً، ثم خرج إلى عرفات، هل يسقط دم القران؟. وجهان، والأصح هنا أنه لا يسقط، لأن اسم القران لم يزل، وهناك يحتمل أن يقال التمتع اسم لمتعته بترك الميقات في الحج فيزول الاسم بعوده إليه.

فإذا تقرر هذا فإن هذا المتمتع إذا لم يرد العود إلى ميقات بلده صارت مكة ميقاته، ولزمه الإحرام بالحج منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه المتمتعين بذلك، فإن أحرم بالحج من مكة، فلا كلام، وعليه دم التمتع، وأن خرج من مكة، فأخرم غي الحل خارج الحرم، فقد ترك ميقاته فإن عاد إلى مكة محرماً، فلا شيء عليه، وصار كما لو أحرم من مكة، وإن لم يعد ومضى إلى عرفات. قال أصحابنا: يلزمه الدم، وقد ذكرنا هذا. وقيل: يجب عليه هذا الدم، ويكون دماً غير دم التمتع، وهذا لا يصح لأن دم التمتع إذا كان لترك الميقات لا يلزمه دم آخر لذلك أيضاً. ولا فرق بين أن يترك من مسافة إحرامه [٤٧/أ] قليلاً أو كثيراً في إيجاب دم واحد فقط. وقال القفال: لو لم يرجع المتمتع لإحرامه بالحج إلى ميقاته الذي مر به، ولكن رجع إلى مثل تلك المسافة من ناحية أخرى يكون كما لو رجع إلى الميقات، وخرج عن أن يكون متمتعاً.

وقال أيضاً: يخرج إلى موضع يقصر إليه الصلاة من مكة، فيكون كالرجوع إلى الميقات، ولهذا وجه كأنه اعتبر أن يكون من غير الحاضرين. وذكر أيضاً أن الشافعي قال: فمن أراد التمتع، فجاوز الميقات غير محرم، ثم أحرم بالعمرة، ثم لما فرغ منها أحرم بالحج، فهو متمتع، وأن رجع إلى الميقات، فليس بمتمتع.

وقال أصحابنا: إذا لم يرجع فعليه دمان: دم التمتع، ودم الإساءة بترك الميقات في العمرة، وهذا صحيح. وأما الشرط الرابع: فلا خلاف فيه لقوله تعالى: "ذلك لمن لم

<<  <  ج: ص:  >  >>