{يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] , وهذا شرط عاد إلى إيجاب الدم دون التمتع في قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] , لأن الاستثناء يعُود إلى الحكم لا الخبر الذي يقدم, ولأن الدّم إنما يلزم لترك الميقات, وهو لم يترك, وهؤلاء من كان بينهم وبين الحرم مسافة لا تقتصر فيها الصلاة من كل ناحية. وأما الشرط الخامس: وهو نية التمتع اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: لا يشترط, وهو اختيار القفال لأن وجود الحجّ من في سنتهِ يغني عن هذه السنة.
والثاني: أنها تشترط حتى يلزمه حكم الميقات للإحرام بالحجّ بتلك النيّة, [٤٧/ ب] فيلزمه الدم إذا أحرم بالحجّ من مكة, وهذا لأنه جمع بين العبادتين في وقت أحدهما, فلا بدّ من النيّة كالجمع بين الصلاتين, ومتى تجب هذه النية؟ فيه وجهان:
أحدهما: عند الإحرام بالعمرة.
والثاني: قبل التحلل منها, فإذا نوى من حين الإحرام بالعمرة إلى أن يفرغ منها جاز, وأصل الوجهين أن من جمع بين الصلاتين في وقت أحدهما لابدّ من أن ينوي الجمع, ومتى ينوي؟ قولان على ما ذكرنا.
فَرْعٌ
في وجوب دم التمتع هل يشترط أن يكون النسكان من واحد؟ وجهان, فإذا قلنا: لا يشترط فاستأجره رجلان ليحجّ عن أحدهما, ويعتمر عن الآخر, وكانا أذنا جميعًا في التمتع. من أصحابنا من قال: يجب الدم عليهما نصفين لأن التمتع ركنان حجّاً وعمرة, وقد أذنا فيه, فصار موجبة بينهما, والصحيح أن الدم على الأمر بالحجّ؛ لأن عندنا هو دم جبر ولم يقع من مسك العمرة فقصر لأنه أحرم بها في الميقات, وأتى بأفعالها كاملة, وإنما التقصير, وقع في الحجّ لترك الإحرام به من الميقات.
فَرعٌ آخرُ
لا يكره للمكي ولا لمن أهله حاضري المسجد الحرام تمتع, ولا قران, ولكن لا دم عليهم. وقال مالك: وهذا لأن دم القران والتمتع إنما يلزم لذبح سفر, والمكي لا يلزمه السفر, ولا يلزمه أن يحرم من الميقات لأنه يحرم بالقران من جوف مكة لأنه إذا خرج إلى عرفة حصل له الجمع بين الحلّ والحرم, ويحرم في التمتع بالعمرة من أقرب الحل, والحجّ من جوف مكة.
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: [٤٨/ أ] لا يصحّ منهم تمتع, ولا قران, وإذا أحرم بهما, أو انقضت عمرته, وإن أحرم بالحجّ بعدما فعل شوطًا من الطواف للعمرة, أو نقض حجّه في قول أبي حنيفة, نقضت عمرته في قول أبي يوسف ومحمد, وإن أحرم بعد أكثر فعل الطواف مضى فيهما, ووجب عليه دم جبران, واحتجوا بما روي عن ابن عمر, قال: ليس لأهل مكة تمتع ولا قران, وهذا غلط لأن كل من لا يكره منه الإفراد لا يكره منه القران. وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: يكره له القران والتمتع, فإن فعل يلزمه دم الإساءة بارتكاب فعل منهي عنه, وليس بدم التمتع.