لو كانت الكتابة فباعها للسيد، فإن كان للسيد علمًا بفسادها صح البيع وفي ذلك فسخ الكتابة الفاسدة، فلا يعتق بعد ذلك بالدفع وإن لم يعلم أو ظن أن الكتابة صحيحة، فإذا هي فاسدة ففي صحة البيع قولان مخرجان كما قال الشافعي: إذا أوصى برقبته لرجل ظنًا أن الكتابة صحيحة وأن الوصية فاسدة هل تصح الوصية، قولان سواءً كان عالمًا بفسادها أو جاهلًا، ومن أصحابنا من قال: لا يصح البيع قولًا واحدًا بخلاف الوصية لأنها تقبل الغرر والجهالة والوقف على الشرائط بخلاف البيع.
[باب كتابة النصراني]
مسألة: قال: «ويجوز كتابة النصراني».
الفصل
اعلم أنه إذا كاتب النصراني مملوكه جاز كما تجوز كتابة المسلم، وقال بعض الفقهاء: لا تجوز كتابته لأن الله تعالى ندب المسلمين إليها بقوله تعالى: {والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ}[النور: ٣٣]، الآية. ودليلنا حكم المعاملات والإعتاق يعم الكل، أو نقول: الكتابة تشتمل على المعاوضة والإعتاق بالصفة وكلاهما يجوز منه، وأما قولهم: ندب المسلمين إليها، قلنا: إنما خص المسلمين بالخطاب إكرامًا لهم لا تخصيصًا بالحكم.
ثم جوز كتابته [١٢٤/ أ] على الوجه الذي يجوز كتابة المسلم، فإذا كاتب عبده ثم ترافعا إلى حاكم المسلمين نظر بينهما وحكم بحكم الإسلام، فإذا كانت الكتابة مما تجوز بين المسلمين أمضاها وإن كانت مما لا يجوز ردها لأن الحاكم لا يحكم إلا بما يسوغ في دينه.
ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه فيما كانت الكتابة فاسدة ثلاث مسائل: إحداها: أن يتعاقدا فاسدًا ويقبض السيد العوض ثم أسلما وترافعا، فالحاكم يقرهما على ذلك لا على معنى أنه يحكم بصحته ولكن على معنى أنه لا يتعرض لهما كما نقول: إذا تزوجها على مهر فاسد وتقابضا العوض ثم أسلما.
والثانية: أن يسلما ثم تقابضا في حال الإسلام فالحكم يبطل ذلك، لأن قبض الفاسد لا يصح في حال الإسلام إلا أن العتق وقع بوجود الصفة ويثبت بين السيد وبين المكاتب التراجع، فإن كان مما دفعه إلى السيد لم يحتسب له بشيء وحسب عليه قيمة رقبته، وإن كان له قيمة احتسب عليه بقيمته وعلى العبد بقيمة رقبته، ويتراجعان الفضل.
والثالثة: أن يسلما ثم يتراجها قبل التقابض أو بعد قبض البعض وبقاء البعض يحكم بفسخ الكتابة وإبطالها لأنه ما لم يقبض جميع مال الكتابة فالعتق لا يقع وحكم العقد