للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعائشة في اشتراط الولاء للبائع وانفرد بتلك الرواية هشام، وليست بصحيحة لما ذكره من الدليل.

وقيل: هذه زيادة تفرد بها هشام، وقد روى نافع عن ابن عمر عن عائشة رضي الله عنها هذا الخبر فلم يروها، وكذلك الزهري لم يروها وهو أحفظ من هشام، وكذكل عمرة والقاسم بن محمد والأسود بن يزيد وأبو هريرة كلهم رووا عن عائشة، ولم يذكروا أنه أمرها باشتراط الولاء لهم ولعل هشامًا أو عروة حين سمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «ما يمنعك ذلك» رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء، فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر وجماعة.

فإن قيل: الزيادة أولى في الإخبار قيل: ترك الزيادة في هذا الموضع أولى من الأخذ بها لثلاثة أمور، أحدها: إنكار الرواة لها على ما ذكرنا، والثاني: منع الشرع منها، والثالث: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرنا فلا يجوز أن يأذن في المحظور والغرور، وقال بعض أصحابنا: هكذا قال الشافعي، ولكن الخبر في «الصحيحين» من طرق شتى سوى طريق هشام، وهذا الشرط مذكور فيه، والأصح الجواب الأول، [١٢٣/ أ] وهو تجويز البيع بالسنة، ثم اشتغل المزني بالتأويل، فقال: ويحتمل لو صح الحديث أن يكون أراد: اشترطي عليهم أن لك إذا اشترطت، وأعتقت الولاء أي لا تغريهم واللغة تحتمل ذلك قال الله تعالى: {ولَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢] أي عليهم اللعنة، وقال تعالى: {إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وإنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧]، يعني فعليها. وقال تعالى: {ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: ٢]، أي عليه، فقامت لهم مقام عليهم فتفهم رحمك الله.

وأنكر أبو إسحاق هذا التأويل على المزني على عادته في الرد على المزني إذا وجد السبيل إليه، وقال الماسرجسي: سمعت أبا إسحاق ينكر ذلك، ويقول: هذا يجوز عند الضرورة، ولو جوزنا إبدال حرف بحرف لغير الحاجة والضرورة بطل التفاهم بالخطاب، وذهبت فائدة الكلام، وقال: لا يجوز أن يقصد منع عائشة من شرطها الولاء للبائع بلفظ لا يبني عنه إلا بقرينة الحال ودلالة وفي موضع لا يشكل ولا يلتبس ولأن خروجه مغضبًا، وقوله في خطبته: «ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله». يدل على أن الشرط كان لهم فأبطله عليهم، فلا يصح ما ذكره المزني. وقال ابن أبي هريرة: قوله اشترطي لهم الولاء خارج مخرج الوعيد والتهديد، كقوله تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩]، وهذا بعيد، وقال صاحب «الإفصاح»: أراد اشترطي لهم العتق، فعبر عن العتق بالولاء لحدوثه عنه، واستحقاقه به، وهذا أيضًا عدول عن الحقيقة إلى المجاز، وقال أبو حامد: اشتراط الولاء تقدم العقد لأنه كان وقت المساومة، وإنما يلزم الشرط [١٢٣/ ب] إذا اقترن بالعقد فلذلك بطل، فأعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - إبطال حكمه، وهذا ضعيف لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبطل الشرط لفساده، ولم يبطله لأنه كان في غير محله، ولو أراد ذلك لأزال اللبس ولأبان الحكم المقصود.

<<  <  ج: ص:  >  >>