للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الاعتكاف]

قال: أحبَرَنَا مالكُ ... وذكر الخبر.

وهذا كما قال الشافعي في "سنن حرملة ": الاعتكاف ولزوم المرء الشيء وحبس النفس عليه برًا كان أو مأئمًا والدليل عليه قوله تعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف: ١٣٨]، وقوله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢]، قال الخليل بن أحمد: الاعتكاف هو: المقام على الشيء يقال: عكف يعكف ويعكِف بكسر الكاف وضمها وهو قول الأزهري، وقيل: الاعتكاف الاحتباس في المسجد يقال: عكفته أي: حبسته، قال الله تعالى: {والْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥]، أي: محبوسًا، وأما المراد بالاعتكاف الشرعي فإنه المكث في بيت الله تعالى وهو المسجد تقربًا به إلى الله تعالى، وهو من الشرائع القديمة، والأصل فيه قول الله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥]، قيل طهرا من الكفر، وقيل: من الأصنام، وقال الله تعالى: {ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧].

وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر إلى أن قبضه الله تعالى (١) [٣٥٣ ب/ ٤]، وروي أنه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلما كان في العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا (٢)، فإذا تقرر هذا فالاعتكاف سنة حسنة وقربة وطاعة مندوب إليها مؤكدة ولا يصح إلا بالنية والكون في المسجد وترك مباشرة النساء ولا يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر (٣) "فعلق بالإرادة ويستحب في عموم الأوقات خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دوام على ذلك في آخر عمره وذلك أنه روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان، أي: كان يتحرى فيه ليلة القدر فلما كانت ليلة إحدى وعشرين وهي التي كان يخرج في صبيحتها من اعتكافه يريد أنه كان لا ينصرف ليلة الحادي والعشرين، وإن كانت العشر قد تمت له حتى يصبح منها على الصبح قم ينصرف، قال عليه الصلاة والسلام: "يعني في هذه الليلة من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر "، أي: فلا ينصرف حتى يعتكف [٣٤٥ أ/ ٤] العشر الأواخر.


(١) أخرجه البخاري (٢٠٢٥)، ومسلم (٥/ ١١٧٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٩٨)، وأحمد (٢/ ٣٣٦)، والدرامي (٢/ ٣٧)، وابن ماجه (١٧٦٩).
(٣) أخرجه البخاري (٢٠٢٧، ٢٠٣٦)، ومسلم (٢١٣/ ١١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>