للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريل عليه السلام فقال: إن ما تطلبه أمامك "يعني ليلة القدر قال: "أي في هذه الليلة واريت هذه الليلة "أي: ليلة القدر "أريتها في المنام أية ليلة هي من هذه العشر ثم أنسيتها "ولم يرد أنه رأى الملائكة والأنوار عيانًا ثم نسى في أية ليلة رأى لأن مثل ذلك قلما ينسى، وروي "فخرجت لأخبركم بها فتلاحي فلان وفلان فأنسيتها ولعله خير لكم "أي: ولعل نسيانيها حير لكم يعني: لو لم أنسها وأخبرتكم بها لاعتمدتم على تلك الليلة واقتصرتم على التعبد فيها قلما أنسيتها تطلبون الآن فيها كلها فصارت الليلة كلها الواحدة بسبب نسياني عشرًا، وروي أنه قال: أريت هذه الليلة فخرجت لأخبركم به فتلاحى فلان وفلان .. وذكر الخبر ... ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى من علامات هذه الليلة فقال: "ورأيتُني أسجد في صبيحتها في ماء وطين "فأمطرت السماء من تلك الليلة يعني هذه الليلة التي كان يخبر فيها بذلك وهي ليلة الحادي والعشرين وكان المسجد [٣٥٤ ب/ ٤] على عريش أي: لم يكن مطين السطح فوكف المسجد (١) قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف علينا وعلى جبته وأنفه الماء والطين في صبيحة إحدى وعشرين.

قال أصحابنا: فمصادقة حقيقة الرؤيا وعلامتها في هذه الليلة مما يدل على أنها ليلة القدر. تغليبًا لا يقينًا، وقال الإمام الجويني: هذا الخبر هو دليل على جواز النسيان عليه وجواز النسيان في أصل الوحي إذا كانت المصلحة فيه عند الله تعالى بدليل أن الرؤيا كانت وحيًا له ثم أنساها الله تعالى إياه وهو معنى قوله تعالى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: ١٠٦] الآية، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: "لا يقولن أحدكن نسيت آية كذا وكذا وليقل أنسيتها (٢) "، ثم قال الشافعي: وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنها في العشر الأواخر يعني ليلة القدر، ثم قال: والذي يشبه أن تكون ليلة إحدى أو ثلاث وعشرين يعني: يشبه حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون ليلة القدر في إحدى هاتين الليلتين.

وإنما جعل الشافعي ليلة ثلاث وعشرين عديلًا لليلة الحادي والعشرين [٣٥٥ أ/ ٤] فيه لخبر رواه في "الجامع الكبير "ولم ينقله المزني وكان من حقه أن ينقل ليحسن عطف هذا الكلام عليه وهو أنه روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر أية ليلة هي فقال: "كم بقي من الشهر "وكان ذلك يوم الثاني والعشرين، فقال: ثمان يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أو سبع "فقال الرجل بقي ثمان يا رسول الله فقال: "أو سبع "ثم قال: "الشهر هكذا وكذا "وأشار بأصابعه العشر مرتين وقبض واحدة في المرة الثالثة يعني أن هذا الشهر ينقص يومًا ثم قال: "لا آمن أن تكون هذه الليلة (٣) "يعني ليلة الثالث والعشرين فلهذا عدل الشافعي ليلة الثالث


(١) أخرجه البخاري (٢٠١٦، ٢٠١٨، ٢٠٣٦)، ومسلم (٢١٣/ ١١٦٧).
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبرى" (١٠/ ١٦٩، ٢٣٩).
(٣) أورده السيوطى في "الدر المنثور" (١/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>