للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا لأنه أخرجه من ملكه لله تعالى، فالأولى أن لا يعود فيه فإن فعل لم يفسخ البيع لأن هذه الكراهة هي كراهة تنزيه لا تحريم، وقال مالك: هذه هي كراهة تحريم فإن اشترى تبطل وهي رواية عن أحمد وبعض أصحاب [٢٠٠ أ/ ٤] مالك ينكره عن مالك، وقال أيضًا لو جعل: ما على الفقير من دينه قصاصًا من زكاته جاز وعندنا لا يجوز هذا وهذا عجب لأنه منع من ابتياعها بعوض عاجل وجوز أن يكون قصاصًا بدين هالك والدليل على جواز البيع ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا بخمسة" (١) وذكر منها رجل ابتاعها بماله ولأن ما صح أن يملكه إرثًا صح أن يملكه ابتياعًا كسائر الأموال.

[باب زكاة المعادن]

مسألة: قال (٢): ولا زكاة في شيء من المعادن إلا ذهب أو ورق.

الفصل

وهذا كما قال: المعدن في اللغة هو اسم للمكان الذي خلق الله تعالى فيه الجواهر من الذهب والفضة والحديد والنحاس وغيرها، وهو مشتق من اللبث والإقامة قال الله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: ٧٢] أي: مكان لبث وإقامة ويقال: عدن الشيء بالمكان إذا مكث فيه، والعدن الإقامة فإذا تقرر هذا فالأصل في وجوب الحق فيه قوله: {أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ومِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] والمعدن هو مما أخرج من الأرض وروى عن رسول الله [٢٠٠ ب/ ٤] صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في الرقة ربع العشر" (٣)، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم "أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح للزرع من قدس؟ ولم يقطعه حق مسلم" (٤) وأخذ منه الزكاة، وروى فما كان يأخذ منه إلا الزكاة وقوله: قبلية نسبة إلى ناحية من ساحل البحر بين المدينة وبينها مسيرة خمسة أيام، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إلى زماننا هذا يؤخذ منها الزكاة وجليسها: نهديها وغورينها نسبة إلى غور وقوله: من قدس وهو الموضع المرتفع الذي يصلح للزراعة، فإذا تقرر هذا فلا يجب عندنا الحق في المعدن إلا في الذهب والفضة، وأما الحديد والنحاس ونحوهما فلا شيء فيها سواء كان جوهرًا ينطبع أو لا ينطبع كالياقوت والزجاج والعقيق، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: يجب الحق في كل ما يستخرج من المعدن مما ينطبع مثل الرصاص والنحاس والحديد، وكذا الزئبق في إحدى الروايتين، لأنه ينطبع مع غيره، وأما الفيروزج والبرام ونحو ذلك فلا يتعلق به حق المعدن، وقال أحمد: يتعلق الحق بجميع ما يستخرج منه كحق القسمة [٢٠١ أ/ ٤] وهذا غلط، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا زكاة في حجر" (٥) ولأنه مقوم مستفاد من المعدن


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٦٨)، وأبو داود (١٦٣٥).
(٢) انظر الأم (٢/ ٣٦).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١٩٠ - ١٩١)، وأبو داود (٣٠٦٣).
(٥) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>