للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب بيع البراءة]

مسألة: قال: وإذا باع شيئًا من الحيوان بالبراءة فالذي [١٧٨/ ب] أذهب إليه قضاء عثمان رضي الله عنه.

إذا باع حيوانًا بشرط البراءة من العيوب، قال في اختلاف العراقيين: فالذي أذهب إليه قضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه حتى تسميه وتقفه عليه ثم قال: والأصح في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان ولا يبرأ من سائر العيوب، أو يبرأ من جميعها، يعني: لولا ما وصفنا من قصة عثمان رضي الله عنه، واختلف أصحابنا في المسألة على طريقين. قال الاصطخري وجماعة: في المسألة ثلاثة أقاويل:

أحدهما: هذا وبه قال مالك، وهو اختيار الشافعي وقضاء عثمان رضي الله عنه أن ابن عمر رضي الله عنهما باع عبدًا بثمان مائة درهم بشرط البراءة ثم ترافع هو والمشتري إلى عثمان في عيب به وأراد رده به فقال: عثمان لابن عمر رضي الله عنهم: تحلف أنك بعته وما علمت به داء كتمته فقال: لا، فرده عليه فباعه ابن عمر بألف درهم، وروي: باعه بألف درهم وخمس مائة ففرق بين ما علم البائع وبين ما لم يعلم، وهذا لأن ما يعلمه لا عذر له في [١٧٩/ أ] كتمانه من المشتري وما لم يعلمه فالبايع فيه معذور، وإذا أراد أن يقف المشتري على العيوب حتى يبرأ البائع لعلم المشتري بالعيب لا بالشرط فوجهه أن ما لا يرى مثل عيب السرقة والإباق ونحو ذلك نسميه له وما يمكن أن يرى كالبرص والقرح، فأراد أن يسميه له يذكر محله في البدن وقدره حتى يصير كالمرئي إذ يختلف البعض الحاصل باختلاف محاله ومقاديره فلا يجوز مع الجهالة لأنه يؤدي إلى جهالة الثمن.

وقد قال الشافعي: ها هنا قلت ذلك تقليدًا لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذا مشكل لأن الشافعي تقلد أحدًا بين الصحابه في الجديد، وإنما قلد في القديم وهذا النص في كتاب الجديد، وإزالة هذا الإشكال أن يقال: ما قصد الشافعي بهذه العبارة محض التقليد بل أراد الاستئناس والاسترواح بما حكي من مذهب عثمان والدليل على هذا أنه عقبه بالقياس فقال: إن الحيوان يفارق ما سواه لأنه يُعتدى الصحة والسقم وتحول طبائعه وقلّ ما يبرأ من عيب يخفى ويظهر، وقد قال [١٧٩ أ/ ٦] مثل هذا في الفرائض، وذلك أنه قلد زيد بن ثابت رضي الله عنه في توريث الإخوة مع الجد في الجديد ثم عقبه بالقياس فقال كلامًا طويلًا معناه: أن المدلى به وهو أب الميت لو مات وخلف أباه وهو هذا الجدّ وابنه وهو هذا الأخ كان للأخ خمسة أسداس المال وللجد السدس فكيف يجوز حجب الأخ بالجد في مسألة الجد والإخوة؟ وبين أصحابنا من قال: الشافعي وقلد عثمان رضي الله عنه في هذه المسألة على قوله في القديم قول الصحابي حجة يترك به القياس فإن قيل: على هذا فابن عمر رضي الله عنهما خالفه لأنه لم يخلف، قلنا: لم يخالفه بل تورع عن اليمين تنزيهاً وهذا ضعيف لما ذكرنا، أن هذه المسألة في الجديد.

والقول الثاني: لا يبرأ عن شيء من العيوب إلا بالتسمية. وبه قال أحمد في رواية،

<<  <  ج: ص:  >  >>