التدبير أن يعتق عبده دبر الحياة، يقال: أعتقه عن دبر أي بعد الموت ولا يستعمل ذلك في غير العتق من الوصايا، وفي تسميته تدبيرًا ثلاثة أوجه أحدها: لأنه يعتق عليه في دبر الحياة وهو آخرها، والثاني: لأنه لم يجعل تدبير عتقه إلى غيره، والثالث: لأنه دبر أمر حياته باستخدامه وأمر آخرته بعتقه.
وفي ابتدائه وجهان: أحدهما: أنه تقدم في الجاهلية وأقره الشرع في الإسلام على ما كان عليه في الجاهلية فصار بالتقرير شرعًا، والثاني: أنه مبتدأ في الإسلام بنص ورد فيه عمل به المسلمون فاستغنوا بالعمل عن نقل النص فصار بالنص شرعيًا وصار العمل على النص دليلا فدبر المهاجرون والأنصار عبيدا.
ثم قد يكون مطلقا بأن يقول: دبرتك، أو أنت مدبر، أو إذا مت فأنت حر، [١٥/ ب] أو إذا دخلت الدار ومت فأنت مدبر، أو إذا دخلت الدار فأنت مدبر، وقد يكون مقيدًا بأن يقول: إن مت من مرضي هذا أو في شهري هذا أو في سنتي هذه فأنت حر، وغن صلت فأنت حر وكلاهما عندنا سواء، فإذا وجد ذلك تعلق العتق بموته وله الرجوع فيه متى شاء والتصرف فيه بالبيع والهبة وغير ذلك، ثم ينظر، فإن رجع عنه قبل موته وتصرف فيه بطل التدبير، وإن لم يرجع حتى مات نظر، فإن كان عليه دين مستغرق لم يعتق وبيع في الدين وإن لم يكن عليه دين واحتمل الثلث جميعه عتق، وإن لم يحتمل الثلث بقدر الثلث دون الباقي، وبه قالت عائشة رضي الله عنها وعمر بن عبد العزيز وطاوس ومجاهد وإسحاق وأحمد. وقال ابن أبي نجيح كان مجاهد وفقهاء أهل مكة يرون التدبير وصية صاحبها فيها بالخيار ما عاش يمضي منها ما شاء ورد منها ما شاء. وقال مالك: إذا دبر عبده لا يجوز له التصرف فيه بحال مقيدًا كان أو مطلقًا ولكن إن مات وعليه دين بيع في دينه كما لو أعتق عبدًا في مرضه لا يجوز له التصرف فيه في حياته ويباع في دينه، وهو رواية عن أحمد وكان الحسن بن ربيعة: يجوز بيعه إذا احتاج صاحبه إليه. وقال الليث بن سعد: يكره بيع المدبر ويجوز بيعه إذا أعتقه الذي اشتراه. وقال ابن سيرين لا يباع المدبر إلا من نفسه، وقال أبو حنيفة: إن كان التدبير مقيدًا لا يلزمه ذلك وله التصرف فيه والرجوع عنه متى شاء وإن كان [١٦/ أ] التدبر مطلقًا لم يلزمه ذلك ولا رجوع له فيه، وإن مات واحتمله الثلث عتق وإن لم يجعله الثلث عتق