والثاني: أن القروء الثلاثة هناك محسوبة من وقت الموت؛ لأنهما كانا يشبهان الزوجين إلى وقت موته. وللشافعي في هذا الموضع نص يدل على أن القروء الثلاثة يجب أن تحسب في مسألة المشرك من وقت الموت؛ لأنه قال:{وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثَلَاثًا فَمَاتَ وَلَا تُعْرَفُ اعْتَدَّنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا تُكَمِّلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[ق ٨٣ ب] فقوله: "فيها": دليل على أن جميع القرء ينبغي أن يكون بعد الموت في الأربعة الأشهر، وإن وجدت فيها، وإن طال أقراءها اعتدت بأقصى الأجلين، ومثل هذا إذا فرق في النكاح الفاسد بينهما بعد الوطء هل يحسب القرء من وقت التفريق أو من آخر وطئة كانت؟ فيه وجهان.
وإن كانت إحداهما مدخولًا بها والأخرى غير مدخول بها وجبت على غير المدخول بها أربعة أشهر وعشرٌ فقط، وعلى المدخول بها أربعة أشهر وعشر وثلاثة أقراء على ما بيَّناه.
وإن كانتا غير مدخول بهما وجبت على كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشر فقط؛ لأن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، فإذا أتت بالشهور فقد حلت بيقين، وإن كان الطلاق رجعيًا وجب على كل واحدةٍ أربعة أشهر وعشرٌ؛ لأن الرجية تنتقل إلى عدة الوفاة فكانتا سواء، وإن لم يكونا من ذوات الأقراء، فإن كانتا من ذوات الشهور وجب على كل واحدة أربعة أشهرٍ وعشر؛ لأن المطلقة لم يجب عليها إلا ثلاثة أشهر، فإذا أتت بأربعة أشهر فقد حلت بيقين.
وإن كانتا حاملتين حلتا بالوضع، هذا إذا كان الطلاق معينًا ولم يتبين في إحداهما حتى مات. فأما إذا كان الطلاق مرسلًا في إحداهما بعينها فقد ذكرنا فيما تقدم أن المذهب الصحيح أنه يقع الطلاق من حين اللفظ. ومن أصحابنا من قال: يقع من حين التعين. فإن قلنا: من حين اللفظ كان حكم العلة على ما بيَّناه في المعينة. وإن قلنا: من حين التبين، فإذا مات قبل التعين فكأنه مات قبل أن يطلق، فيجب على كل واحدة منهما عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرٌ. وهكذا ذكر بعض أصحابنا.
وقال بعضهم: يلزم ههنا أقصى الأجلين أيضًا [ق ٨٤ أ] ولكن ابتداء الأقراء من حين الموت؛ لأن الموت الإياس من بيانه ولا يمكن إسقاط حكم الطلاق الموجود بموته. وهذا هو المشهور على هذا الوجه.
[باب مقام المطلقة في بيتها]
مسألة:
قَالَ: قال الله تعالى في المطلقات: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق: ١]