إلى قوله:{بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[الطلاق: ١]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفريعة بنت مالك حين أخبرته أن زوجها قتل وأنه لم يتركها في مسكن يملكه:"امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".
المطلقة مطلقتان؛ رجعية، وبائن. فالرجعية تستحق السكنى والنفقة؛ لأنها في معاني الزوجات إلى أن النفقة حق لها إن اتفقا على إسقاطه سقطت، والسُّكنى حق الله تعالى إن اتفقا على إسقاطه لم يسقط.
وأما البائن فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملًا ويلزم السكنى لها. وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والفقهاء السبعة، ومالك، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والليث بن سعد رضي الله عنهم.
وروي عن ابن عباس، والحسن، والشعبي، وعطاء، والزهري، وأحمد، وإسحاق: أنه لا نفقة لها ولا سكنى. وروى أبو سليمان الخطابي عن أحمد مثل قولنا، واحتجوا بما روت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى.
وقال أبو حنيفة والثوري: لها النفقة والسكنى. وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وشريح رضي الله عنهم، واحتجوا بأنها مطلقة تستحق السكنى فاستحقت النفقة كالرجعية. وهذا غلط؛ لأن الله تعالى قال:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق: ١][ق ٨٤ ب]{وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}[الطلاق: ١]، وقال أيضًا:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ}[الطلاق: ٦] إلى قوله: {وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ}[الطلاق: ٦]، فأوجب السكنى على الإطلاق، وخصَّ بالنفقة الحوامل، فكان ذلك حجة على الفريقين وأما خبر فاطمة بنت قيس: قلنا: لا حجة فيه؛ لأنه روى أنه أوجب لها السكنى فبذت على أحمائها فأمرها أن تنتقل إلى بيت ابن أم مكتومٍ، وتمام الخبر ما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بينت قيس: أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة طلقها البتة وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فقال لها:"ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:"تلك امرأة يغشاها أصحابي، فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حالت فأذنيني". قالت: فلما حللت ذكرتُ له أن معاوية وأبا جهم خطباني ... الخبر إلى آخره. ومعنى البتة ههنا: الثلاث. وروى أنها تطليقةٍ