غدوا إليها من الغد كان كل من سبق إلى مكان أحق به، ولا يستحق العود إلى المكان الذي كان فيه وعرف به، وقال مالك: إذا عرف أحدهم بمكانه طال جلوسه فيه فهو أحق به من غيره لما فيه من المصلحة بقطع التنازل ووقوع الاختلاف وهذا عنه صحيح، لقوله صلى الله عليه وسلم:"منا مناخ من سبق" ولأنه لو جعل أحق به لصار في حكم ملكه ولحماه عن غيره فلو تنازع وجلان في مقعد ولم يمكنهما الجلوس بناء على نظر الإمام فيه.
أحدها: يقرع بينهما فأيهما يقرع كان به أحق وهذا على الوجه الذي يجعل نظر الإمام مقصوراً على منع الضرر وقطع التنازع.
الثاني: أن الإمام يجتهد رأيه في إجلاس من يرى منهما، وهذا على الوجه الذي يجعل نظر الإمام نظر اجتهاد ومصلحة, فلو أقطع رجلاً موضعاً من مقاعد الأسواق ليبيع فيه متاعه ففيه وجهان:
أحدهما: أنه أحق بالمكان ما لم يسبق إليه كان السابق أحق به، وهذا إذا قيل إن نظره مقصور على منع الضرر.
الثاني: أنه أحق من السابق بذلك المكان، وهذا إذا قيل إن نظره اجتهاد في الإصلح، فلو أن رجلاً ألف مقعداً في فناء طريق حتى تقادم عهده فيه وعرف به ففيه لأصحابنا وجهان:
أحدهما: يقر في مكانه ما لم يسبقه إليه غيره.
الثاني: أنه يقام عنه ويمنح منه لئلا يصير زريعة إلى تملكه وادعائه، فلو أراد رجل أن يبني في مقعد من فناء السوق بناء منع, لأن إحداث الأبنية يستحق في الأملاك، وأما إذا حلق الفقهاء في المساجد والجوامع حلقاً منح الناس من استطراقها والاجتياز فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا حمى إلا في ثلاث: ثلة البئر، وطول الغرس، وحلقة القوم فلو عرف فقه بالجلوس مع أصحابه في موضع من الجامح لم يكن له منع من سبق إليه، وكان السابق أحق به، وقال مالك قد صار من عرف بذلك الموضح من الفقهاء والقراء أحق به، وله منع من سبق إليه وهذا غير صحيح لقوله تعالى:{سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: (٢٥)]، والله أعلم بالصواب.