للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِجَارَةٍ، كَانَتْ هَذِهِ كَالْمَوَاتِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ إِيَّاهَا، وَمُخَالِفَةٌ لِلْمَوَاتِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ الْمَوَاتَ إِذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إِحْيَاؤُهَا، وَهَذِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُبْتَدَأُ إِحْيَاؤُهَا لِبُطُونِ مَا فِيهَا".

قال في الحاوي: قد ذكرنا أن المعادن ضربان ظاهرة وباطنة وذكرنا أن الظاهرة منها لا يجوز إقطاعها, فأما الباطنة وهي التي لا شيء في ظاهرها حتى تحفر أو تقطع فيظهر ما فيها بالحفر والقطع كمعادن الفضة والذهب والنحاس والحديد، سواء احتاج ما فيها إلى سبك وتخليص كالفضة والنحاس أو لم يحتج إلى ذلك كالتبر من الذهب، ففي جواز إقطاعها قولان.

أحدهما: أن إقطاعها لا يجوز والناس كلهم فيها شرع يتساوى جميعهم في تناول ما فيها كالمعادن الظاهرة التي يتساوى الناس فيها، ولا يجوز إقطاعها، لأن ما فيها جميعاً مخلوق يوصل إليه بالعمل ويملك بالأخذ، فعلى هذا يستوي حال المقطع وغيره في تناول ما فيها كما لو أقطه المعادن الظاهرة ولم يصر أحق بها من لم يستقطعها.

الثاني: أن إقطاعها جائز والقطع أحق بها من غيره, روى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من مدهن ولم يعطه حق مسلم وفيه تأويلان:

أحدهما: وهو قول عبد الله بن وهب أن جليسها وغوريها أعلاها وأسفلها.

الثاني: وهو قول أبي عبيد وابن قتيبة أن الغور ما كان من بلاد تهامة والجلس ما كان من بلاد نجد.

قال الشماخ:

فأضحت على ماء العذيب وعينها كوقب الصنعا جلسيها قد تغورا

ولأن المعادن الباطنة تخالف الظاهرة من وجهين توافق بينهما الموات.

أحدهما: ما يلزم من كثرة المؤونة في الباطنة حتى ربما ساوت مؤونة إحياء الموات وزادت ولا يلزم ذلك في الظاهر.

والثاني: أن ما في الباطنة مظنون متوهم فشابه ما يظن من منافع الموات بعل الإحياء وما في الظاهرة مشاهد متيقن فصارت الباطنة من هذين الوجهين مفارقة للظاهرة في المنع من إقطاعها، وملحقة بالموات في جواز إقطاعها.

فصل:

فعلى هذا إذا أقطعها الإمام رجلاً فما لم يتصرف فيهما بالعمل لم يملكها كما لا يملك الموات بالإقطاع ما لم يحيه, فإذا عمل فيها صار مالكها، وفي ملكه قولان:

أحدهما: أنه قد ملكها ملكاً مؤبداً, سواء أقام على العمل أو ترك كما يملك

<<  <  ج: ص:  >  >>